قراءة في كتاب مسرح الطفل التجربة والآفاق للكاتبة راقية بقعة
بقلم الدكتور: بن مريسي قدور
يمثل هذا الكتاب الصادر عن دار الفيروز للانتاج الثقافي للكاتبة والقاصة بقعة راقية إضافة هامة للمكتبة المسرحية الجزائرية عموما وإلى مكتبة الطفل خصوصا، فالمسرح مظهر من مظاهر الحضارة في أي أمة من الأمم، فهو ليس وسيلة ترفيه أو متعة فحسب، وإنما هو قبل كل شيء أداة تنوير ، ووسيط هام لنقل الإرث الفكري عبر العصور ، ومن مجتمع لآخر،وهو الذي سيثير في الأمة الحداثة والتجديد المستمرين،ولاأدل على ذلك المقولة القائلة” أعطني مسرحا أعطيك شعبا مثقفا”
لقد قسمت الكاتبة دراستها إلى خمس فصول بالإضافة طبعا إلى المقدمة والخاتمة.
المقدمة:
أول ما يستوقفنا في مقدمة الكتاب هو الإشارة إلى صعوبة الكتابة لهذا الملاك الصغير ذو الاحساس المرهف الذي يجعله يميز بين الزائف والحقيقي كما تقول الكاتبة المؤلفة.
وهنا نتذكر قول الم
سرحي الألماني برتولدبريخت:” من السهل الكتابة للأطفال لو أنهم سيظلون أطفالا، لكنهم يكبرون”.
كذلك أشارت المؤلفة إلى أن المسرح يجعل الطفل يقبل بالأوامر والنواهي، ويتبنى تلك الأفكار لأنها غير مباشرة ، والمسرح يوجه سلوكه ويحسنه بطريقة لا يحس فيها بأنه مقيد .
الفصل الأول
ظهور مسرح الطفل:
تعرضت المؤلفة إلى بدايات ظهور مسرح الطفل على يد الأديب الشهير مارك توين من خلال كتاباته الكثيرة عن أدب الطفل، وخاصة مسرح الطفل ومقولته كافية للدلالة على ما كان يوليه من عناية للكتابة الخاصة بمسرح الطفل” إن مسرح الطفل هو أعظم الاختراعات في القرن العشرين وأقوى معلم للأخلاق ، وخير دافع إلى السلوك الطيب، لأن دروسه لا تلقن بالكتب بطريقة مرهقة ، أو في المنزل بطريقة مملة ، بل بالحركة المتطورة التي تبعث الحماس وتصل مباشرة إلى قلوب الأطفال، فإنها لا تتوقف في منتصف الطريق بل تصل إلى غايتها”.
كما عرجت المؤلفة إلى هذا الفصل على بدايات ظهور المسرح في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وفي العالم العربي وأهم الأعلام الذين كتبوا للطفل مسرحيات، وأشهر هذه المسرحيات التي تبني على عناصر لا بد منها:مثل الفكرة التي هي أساس العمل المسرحي ويمكن اعتبار البطولة من أهم الأشياء التي تشد انتباه الأطفال، ثم البناء الدرامي الذي يتعلق بالعرض المسرحي،طوله، قصره، حواره، زمانه، مكانه، وعقدته. هذه العقدة التي تعني التداخل والتشابك في الأحداث التي تواكب مستوى الطفل فهي عمود المسرحية كما تقول المؤلفة…وكلما كان التشويق كان تركيز الطفل كبيرا…ويتجلى جمال المسرحية في الصراع الذي يحدثه تداخل الأحداث.
كما أن للشخصيات دور في إنجاح المسرحية، فالشخصية ينبغي أن تكون بسيطة غير معقدة، على قدر من الذكاء والحيوية والمرح، وبعد هذه العناصر نجد الحوار حيث تكون ألفاظه دقيقة واضحة تتناسب مع الشخصية ونفسيتها.
وعن لغة المسرح عرضت المؤلفة عدة آراء لمختصين أجمع أغلبهم أن تكون الفصحى المبسطة مع مراعاة المستويات اللغوية ومراحلهم العمرية.
الفصل الثاني :
نشأة المسرح:
أشارت المؤلفة إلى أقدم التمثيليات الفرعونية التي اهتمت بالآلهة والتعبير عن الأساطير، كما أن هناك من يرى أن نشأة الدراما تعود للإغريق وانتقل تأثيرها إلى الرومان الذين قاموا بالترجمة والتقليد.
أما المسرح العربي: فقد ظهر في مصر على يد مارون النقاش في مسرحيته البخيل، المستوحاة من مسرحية موليير ثم البدايات الأولى في كل من سوريا ولبنان والجزائر.
كما لم يفت الؤلفة أن تشير في هذا الفصل على المراحل التي مر بها المسرح العربي وهي المحاولات الأولى ـ الترجمات ـ مرحلة التأريخ للوطن العربي ـ مرحلة الواقعية.
الفصل الثالث:
المسرح في الجزائر:
في هذا الفصل أشارت المؤلفة إلى ظهور المسرح الجزائري ، كان بسيطا ببساطة الشعب الجزائري انطلاقا من المداح الذي يطرح قضايا مهمة بأسلوب شيق وممتع وإلى تأثره بعد ذلك بفرقة جورج الأبيض في بعث المسرح الجزائري سنة 1921.
أما مسرح خيال الظل أو ما يعرف بالقاراقوز الذي اندثر بعد منعه من طرف الاستعمار …
أما في عام 1926 فقد ظهرت بوادر المسرح الهزلي على يد رشيد القسنطيني وعلالو ومحي الدين بشتارزي بسكاتشات في طابع فكاهي هزلي.
بعد ذلك عرف المسرح الجزائري الترجمة، بحيث أنها كانت اقتباسا أ و تحويل، ومن الكتاب الجزائريين الذين يكتبون بالفرنسية كاتب ياسين وحولت كتاباتهم إلى اللغة العربية مثل: الجثة المطوقة ، نجمة… وواصلت المؤلفة في هذا الفصل سرد سيرة المسرح الجزائري : أعلامه ومشاركاته وتتويجاته.
الفصل الرابع:
المسرح المدرسي:
أشارت المؤلفة إلى مقاصده التربوية وغاياته التعلمية والوظيفية التي نسعى لطرحها، وذلك باستغلال علم التربية الذي يقول أن الطفل يمر بأحلام اليقظة فتراه يحب أن يطير مثل الفراشة ، ويسبح مثل السمكة فإن وجد منا كبتا أو سوء معاملة فإن هذا يحبطه ويخلق منه شخصية انطوائية غير واثقم في نفسها، وأفضل توظيف لأحلام اليقظة هذه التمثيل فيعبر عن رغبته في المغامرة من خلال شخصيات الأبطال ، وتؤكد الدراسات أن التخيل لدى الطفل لا يؤدي إلى تقليل العدوانية فقط بل يميعها أيضا، كما أن المسرح يحارب الخجل وهنا لأتذكر قصة قرأتها ذات مرة تتحدث عن ولد يستقبل أحد أصدقاء والديه عندما طرق الباب ،فأخبره الولد بأنه غير موجود وهم بإغلاق الباب ثم تراجع عن ذلك قائلا في نفسه لعل هذا الزائر أتى من مكان بعيد ليرى أبي، فمن غير اللائق أن أتصرف معه هكذا…بقية القصة هذا الولد يتمنى أن يكون ممثلا لكنه خجول….
في هذا الفصل طرحت المؤلفة اشكالية اللغة التي نكتب بها المسرحية، فانحازت إلى اللغة البسيطة التي يفهمها الطفل والخالية من التعقيدات ، وبعدها تعرضت إلى بدايات المسرح المدرسي في العالم العربي بعد ذلك أشارت إلى أهمية المسرح المدرسي في توجيه سلوك التلميذ وتقييم أخلاقه.
إن ذكر المسرح المدرسي يتطلب منا ذكر المسرح وخصوصية كل نوع ، ومسايرته للمراحل العمرية للطفل لأن كل مرحلة تمتاز بنوع معين من العروض ونفس الشيء بالنسبة للألعاب ، وهذا استنادا إلى الدراسات النفسية التي تختص بالطفل تؤكد المؤلفة.
وفي نهاية الفصل تفصل المؤلفة في عناصر العرض المسرحي داخل المدرسة ، وهذه العناصر التي تجعله فاشلا أو ناجحا بدءا بالديكور ثم الملابس فالمكياج الموسيقى والإضاءة…
وسجلت المؤلفة هذا الفصل بخلاصة ميدانية مفادها غياب المسرح المدرسي رغم معرفة المربين بأهمية المسرح.
الفصل الخامس
مسرح الطفل في الجزائر:
أشارت فيه المؤلفة إلى ظهور مسرح الطفل منذ الثلاثينات تأليفا على يد محمد العيد آل خليفة ومحمد الصالح رمضان وأحمد رضا حوحو ، وأحمد بن ذياب ، كما ترى المؤلفة أن فترة السبعينات والثمانينات كانت من أنشط المراحل نتيجة للدعم الحكومي للإبداع المسرحي الموجه للطفولة….
هذه الفترة التي عرفت نشأة الفرق المسرحية على غرار أول فرقة مسرحية للطفل سنة 1967 بباتنة التي قدمت عدة عروض ناجحة.. ثم توالت الفرق المسرحية في كامل التراب الوطني في عنابة والجلفة….
إن دراسة الأستاذة راقية بقعة جاءت لتسد هذا الفراغ الحاصل في عدم الاهتمام بأدب الطفل عموما ومسرح الطفل خصوصا، وهذا ما يبعث على التفاؤل ويشجع على ضرورة الاهتمام بالمسرح المدرسي.