الحلقة الرابعة كلام دافئ
بقلم الدكتور علي ملاحي
لديقناعة راسخة ..بعيدا عن كل عصبية.. أن الثقافة لا شهادة لها .. ( اعطني فاهم ولهلا قرا ) .. ليس معنى هذا أنني ضد الشهادات العليا .. حاشا لله.. لكنني بكل ثقة أقول أن الثقافة لا يمكن أن تختزل في الشهادة الجامعية .. لأن الشهادة هي ( تكوين معرفي في مجال معين ) وهذا التكوين لا يعطيك الحق ان تنصب نفسك مثقفا على الآخرين.. الشهادة وثيقة تقنية في مجال معين .. والادب كشهادة جامعية .. مجال مثل كل المجالات المعرفية التقنية .. والأمر ينسحب على اللغة وعلى الصحافة والاجتماع والطب والصيدلة والجيولوجيا والبيولوجيا والرياضيات والاعلام الآلي والهندسة والتاريخ والقانون والفلسفة …الخ … ولذلك فإن الحديث عن اعتماد منتديات ثقافية وفق مقاييس ( البريستيج الأدبي) أصبح فلسفة خاوية .. تندرج ضمن لغة الباشاغا .. ومن ثم فان التحفيز في الثقافة على اعتماد مثل هذه المنتديات الثقافية هو تكريس سافر للعقليات الفوقية التي لم تعد تتماشى مع الراهن.. وللجمعيات الخيرية الحق ان تأخذ المكان اللائق بين الناس لأنها أفيد..ومن ثم لابد من التفريق بين أنماط هذه المنتديات التي تسعى بعض الهيئات ان تدعمها لاعتبارات معينة .. ليس مجالها الآن.. ان الحديث عن المنتدى العلمي الذي يتطلب التكوين .. لا ينطبق عليه ما نقول .. لانه حق لكل فئة علمية ترى انه بوسعها إفادة المجتمع والمساهمة في مواساته من خلال الانخراط فيه خدمة للصالح العام وهو أمر لا حساسية فيه لانه استثمار علمي .. ولهذا فأنا من المناوئين جدا لفكرة أنشاء المنتديات الثقافية في هذه الظروف باسم الثقافة وتحت جناح الثقافة ..لأنني أراه تشجيعا للعقليات الضيقة .. ويفترض في الدولة بكل حكمة التعامل مع مثل هذه الأفكار بحكمة وتبصر .. لانها لا تختلف عن المنتديات الأيديولوجية والعرقية والدينية الضيقة .. نحن ضد لغة الإقصاء وضد اللغة الفوقية التي تتعامل مع المجتمع من برج عاجي بسبب الشبع المادي الذي يحولها إلى شخصيات ارستوقراطية . نتيجة جمع المال في مسؤولية أو فرص أخرى أتاحت لهذا أو ذاك ان يتحول من الفقر إلى الثراء بقدرة قادر .. انني مؤمن جدا أنني كمثقف غير بعبد وجدانيا وانسانيا وابداعيا عن أي شاعر شعبي موهوب ..او اي فنان تشكيلي أو نحات أو شاعر مبتدئ .. وأزعم ان المثقف يؤمن بالمثقفين الذين يختلف معهم أو يتلاقي معهم .. على حد سواء لانهم معه في الخندق الواحد .. الثقافة شئنا أم أبينا لابد أن تتحرر من الميكانيزمات الأكاديمية .. ولابد للجامعة ان تحافظ على خدماتها العلمية ..والا فإنها ستظل ثقافة مغلقة معلبة..ليس فيها الحق لأحد مدالإشارة لغيره كي يمارس الفن والابداع .. وفق ترخيص مادي او معنوي ..لن يكون هناك الحق للاعلامي أو الاستاذ الأكاديمي صاحب الشهادة الكبيرة في أي تخصص كان .. ان يرخص لكاتب قصصي أو روائي أو شاعر أو موسيقي أو فنان مسرحي أو سينمائي أو تشكيلي …..الخ ان يمارس نشاطه وموهبته .. الا كفاءته وملكته .. ولذلك يحتاج المثقف إلى تأطير متعدد المواهب .. وأحسب أن فكرة / الاتحادات فكرة مثمرة اذا تم تأطيرها بشكل دقيق من طرف المؤسسة بعيدا عن ( الديماغوجية المستهلكة ) .. ان الحديث عن الثقافة هذه الايام في ظل التشهير لبعض المنتديات هو مجرد كلام مفرغ من محتواه .. وعلى الجراح أن يرابط في مقامه ..وثقافته الكبرى أن يؤمن بواجبه كجراح أو طبيب .. وعلى عالم الالكترونيك .. والباحث الاجتماعي والباحث في التاريخ والاقتصاد وكذا الباحث في العلوم النفسية والآثار والعلوم الأدبية واللغوية ان يبقى في إطار علمه عندما يتعلق الأمر بالثقافة ..والا فإنه يتغول عندما يتخذ من شهادته مبررا لممارسة الثقافة .. فإذا أراد أن يعيش الثقافة فعليه أن ينطلق من مجال اهتمامه الثقافي كوجدان وكموهبة وكذوق .. نحن في أزمة حادة عارمة / إنسانية واجتماعية واقتصادية .. وقد فقدت الأمة خيرة الأطباء وخبرة الكفاءات..في مختلف التخصصات الجامعية .. والمهنية والفنية .. وحتى الرياضية .. وهناك الكثير من العائلات التي تتعايش و تعيش مع كوابيس لامنتهية ..لذلك عندما يأتي من يزايد باسم ( حركية الثقافة ) أو يعمل على تشجيع ( الثقافة الأكاديمية ) من خلال منتديات أو حتى باسم ( مجالس مؤسساتية ) في أطباق الكترونية .. فوقية المهام واللغة والأهداف .. فانه يعلن عن حالة ( الشحم ) المتراكم في صندوق التوفير الذي يمتلكه ولا يهمه غيره . وللأسف لايتردد هؤلاء ان يوجهوا الاتهام للجامعة بالتقصير .. في مزايدة غير مطابقة للواقع الذي تعيشه الجامعة والتحديات الكبرى التي تواجهها الدولة للإبقاء على عليها واثقة الخطى واقفة المهام .. والمؤطرون للجامعة في هذا الاتجاه يحتاجون كل التقدير .. لأنهم على الأقل مازالوا يرابطون في الميدان تماما كما يرابط جنود الصحة وجنود الحدود .. زادهم الله من فضله وقوته.. أزعم أن من يرقص على الجثث باسم الثقافة في هذه الظروف .. وبمثل هذا الأسلوب .. هو انسان فاقد للوجدان الإنساني.. ولا أظن أن فنانا دراميا مثلا أو موسيقيا يأتي إلى جنازة فيسرد قصة مضحكة أو يعزف لحنا مهما كان طابعه …انه جنون ولا شك .. الظروف التي نعيشها تقتضي ان نكون على محبة مطلقة مقدسة المشاعر .. نحن بحاجة إلى أن نمد يد الرعاية لمبدع مثل جمال فوغالي المتواجد في المستشفى
أو ننتبه إلى محنة مبدع روائي مثل عز الدين جلاوجي أو ناقد مثل عبد الحميد هيمة أو شاعر كبير مثل الأخضر فلوس او فنان مثل فؤاد ومان.. المهمة أن نفتح صفحة المحبة مع كل المثقفين من المبدعين والأساتذة الذين ذهبوا ضحية هذا الوباء .. نحن نتألم بصمت وحرقة لأننا فقدنا أساتذة علماء مثقفين .. ولنا في هذا المقام المزيد من الكلام الدافئ . ..فانتبهوا ..نحن نسير على الجمر بأقدام حافية .. ويكفي أن رئيسنا نفسه يعيش المحنة ومن خلاله دولتنا .