من أول السطر: بقلم أ/عيسى ماروك
الكتابة في مواجهة الموت
على مرّ التاريخ كانت الحروب والأزمات والأوبئة حوافز إضافية للكتابة، ذلك أنّ الكتابة بسلم يداوي الجراح ويواسي القلوب المكلومة، كما أنّها ترجمان للقلق الذي ينتاب البشرية كلما حدّقت بها الأخطار، أو هدّد وجودها طارئ يجلب الفناء إلى ساحاتها، لأن الأدب يسعى لبناء عوالم الحياة وإعادة تشكليها لإجاد مخارج مناسبة و بأقل الخسائر من خلال إعادة تعديل إيقاع الحياة.
وفي هذه الأجواء المفعمة بمشاعر الخوف والترقب انكمش الاقتصاد وتعطلت عجلة الصناعة وخلت الملاعب من جماهيرها وأغلقت الاستوديوهات في المدن السينمائية، لكن بالمقابل لم يهجر الكتاب أقلامهم ولا الشعراء صفّدت شياطينهم، بل كانت جائحة كورونا (كوفيد 19) دافعا وحافزا للكتابة والإبداع، وجادت القرائح بقصائد عصماء ملأت فضاءات التواصل وطافت أرجاء العالم الأزرق، وبالمثل ظهرت روايات اشتغلت على هذه التيمة قدّمها روائيون من مختلف الدول العربية مثل الجزائري مصطفى القرنة في روايته “هاربون من كورونا”، كما أصدرت الكاتبة أماني التونسي رواية “ليالي الكورونا… الحب في زمن الكورونا” عبر الأنترنت، أما الأديب المغربي حسن اليملاحي فقد كتب يومياته في الحجر الصحي.
ولا يعد أدب الكوارث مستجدا، وإنما خاضه أدباء كثر منهم من حاز جوائز مرموقة كالأديب غابريال غرسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل صاحب رواية “الحب في زمن الكوليرا” والروائي الفرنسي ألبير كامو في روايته “الطاعون”، ولعل قصيدة الكوليرا للشاعرة العراقية نازك الملائكة من أشهر القصائد في هذا الباب، لأنها كانت فتحا شعريا جديدا في الأدب العربي. وقد يسم البعض ما يكتب في هذه الفترة الحرجة بوسم الأدب الاستعجالي باعتبار المسافة التي يتخذها الكاتب في عزّ الأزمة، مما قد يؤثر على مقاربته للظاهرة، لكن يكفي أن يؤرخ الأدب لهذه اللحظة القاسية من تاريخ البشرية، فيفرض جو الخوف الجماعي والحجر والعزلة على إنسان القرن الحادي والعشرين طرح الأسئلة الجوهرية ويعيد النظر في علاقاته مع ذاته وعالمه.