الحلقة الأولى ..كلام دافئ ………
يقوله الدكتور علي ملاحي
في جعبتي شوق من حرير في القلب وفي اللسان .. أريد .. أن ألبس محبة كل قارئ ومتابع لما ساقوله بروح دافئة .. وساطرح ههنا ما يليق بمشاعر المبدعين .. وكل من تستهويه الكلمة الإبداعية بما تحمله من صدق وتفان وأريحية.. لابد من الإقرار أمام العالم أن الفنان والمبدع في كل مجالات الحياة .. ليس إنسانا عاديا .. وقد علمتنا الفلسفات المختلفة ان روح الفنان ..دواء لا ينتهي مفعوله عبر الزمن .. لذلك نستغرب عندما نجد المجتمع الجزائري يتعامل مع الفنان من خلال برج مكسور .. كأنه نقيصة أو شيء زائد .. لا فائدة ترجى منه .. وهذه العقدة مع الأسف متجذرة حتى في أكبر المؤسسات الهيكلية ..التي تتعامل – على الأقل – مع المبدعين على اختلاف انشغالاتهم ..اذ بدل أن تعمل على ترسيخ الأسماء الفنية التي تحمل مؤشرات النجاح .. نجدها تضعهم خارج زاوية النظر أو في قائمة الانتظار وربما خارج الطابور ..وتعتبر وجودهم ( زلة ) أو( عقدة ) أو شيئا غير مرغوب فيه .. وكأن المبدع / الفنان هو بمثابة شيء مزعج في كيان المجتمع …..
تخطئ الأمة التي لا تنصف المثقف الفنان ولا تتقمص أفكار المبدعين .. ولا تتشرب رؤيتهم .. ومن يتصور أنه يراهن على أمة بدون الوجدان الابداعي .. فهو واهم وجاحد .. لسبب بسيط وهو ان مجد الأمة ترسمه الكفاءات العلمية .. ويخلده الابداع .. في وقت واحد .. ونحن في هذا المقام الثقافي.. مثلما نشعر بغيرة على مربي الاجيال او العالم البيولوجي أو النووي أو الطبيب أو الاقتصادي أو أي مجال من مجالات الفكر الإنساني .. فان غيرة المجتمع يفترض ان لا تضع الفنانين والمثقفين والمبدعين خارج دائرة الضوء.. ولا يجب أن تتجاهل الفنان السينمائي أو رجل المسرح أو الشاعر أو الروائي أو الرسام أو الموسيقي أو المغني او الفنان التشكيلي.. ..الخ .. وانصافهم من سنن المجتمع الحضاري دون شك ..
أقول هذا الكلام .. وانا أسترق السمع إلى بعض الألسنة التي تصحو وتنام على فكرة اعتبار أن ( علم ) الطب مثلا هو منتهى العلوم .. ومركز ثقلها .. و قد إقتنع المجتمع في ظل هذه ( الجائحة ) ان ( الحياة هي الطب ) أو ( الاقتصاد ) وانخرطت كل وسائل الإعلام – على ما يشوبها من زلات وخلخلة ثقافية .. تتماشى مع المرحلة التي أدخلت الكثيرين منهم إلى نوع من ( الحيطيست ) – مما شجعهم على تجاهل كل العلوم والفنون وأدخل الكل في حائط من جحيم .. وربما كان الفايسبوك الوجه الآخر للتنفيس الثقافي والبديل الاعلامي العمومي لكل الذين يبحثون عن مجالات الإفصاح.. وهو المجال الذي شجع المبدعين على اتخاذ الفايسبوك منبرا لممارسة النشاط ..الثقافي بعيدا عن ضغوطات الراهن وفي غياب شامل للمؤسسة الثقافية .
ان بصيرة المجتمع قد غلب عليها العمى الثقافي الإنساني الذي يعطي للوجود معنى ..و اختزلت الحياة مع ضيق مساحتها في هذه الاونة .. في لون علمي أو لونين.. من العلوم . وخارج الألوان الأخرى العلمية والفنية . ان الحياة رغم كل شيء لم تنته .. ونحن في كل المستويات لسنا ضد علم الطب .. ولا الأقتصاد ولا الصيدلة ولا ضد المختبرات .. لأن هذه العلوم وجدت منذ بدء الخليقة .. وقد خلق الله الموت والحياة وخلق الداء والدواء .. وسيعيش من كتب الله له العيش.. ويرحل كل من مكتوبه الرحيل .. حتى ولو تجندت له الفيالق الطبية .. وحتى لو خصصت له بنوك وبنوك. وفوق ذلك..فاننا لا نتناسى ما تدفعه ( العلوم الطبية ) من تضحية بكفاءات نادرة .. نحتسبها عند الله .. ولا يخفى على الجميع ان الراهن القاسي ..سيبقى بالنسبة للأمم اختبارا واختيارا. ولا يمكن بأي حال أن يمتد إلى ما لا نهاية ..
السؤال الوجيه الذي لا بد منه ثقافيا : هل يمكن للأمم بعد الخروج من هذه الجائحة ان تتنكر للأطباء .. وتراجع موقفها منهم وتحيل عددا منهم إلى البطالة أو التقاعد .. وقد أدوا المهمة على أحسن وجه أو العكس .. اننا لن نقبل هذا الفكر .. لانه في نظرنا انتحار حضاري .. و مثلما نحافظ على مصداقية الأطباء فإننا نحب أن يحافظ هذا المجتمع الإنساني على المثقفين والفنانين وأصحاب الحرف الفنية وعلى رجالات الابداع الأدبي والتشكيلي..ولا نحب ان يطول هذا التنكر والجحود الحاليين للكفاءات الفنية .. الثاقبة في واقعنا الثقافي الراهن ..
ليست الحياة طبا كله ولا فلسفة كلها .. ولا اقتصادا كلها .. ولا يمكن أن تكون الحياة ( بترولا ) أو غازا .. ولا يمكن أن يتنكر التاجر للفلاح .. ولا يمكن للجراح ان يتجاهل استاذه.. الحياة تكامل بين العلم والفن والإبداع.. والعبقريات لا تختزل .. وعلى المجتمع ان يتعامل بانصاف ومسؤولية مع المواهب والكفاءات بالدرجة نفسها من التعامل ..
حز في نفسي هذا الكلام وأنا اتابع مبدعا كبيرا مثل الروائي واسيني الأعرج يقدم شكواه في الفايسبوك.. من هذا الإجحاف والتنكر والغفلة والتمتع بنسيانه .. رغم ما قدمه من ابداع شغل كل الجامعات العالمية الأكاديمية.. وهو ليس ملاكا وليس شيطانا .. انما هو مبدع بكل عبقريته وبكل بساطته .. ويستحق حتى لو اختلفنا معه ان تؤخذ ناصيته باللغة الدافئة . لن أتقبل تحت أي مبرر ان تتنكر بلادي لخبرة أبنائها
في ضوء هذه التساؤلات ، نتساءل بدفء : لماذا انسحبت الفعاليات الثقافية إلى هذه الدرجة .. الى درجة أنهاأصبحت شيئا غير مرغوب فيه .. ؟؟؟. ربما أكون مخطئا .. وأتمنى ان أكون مخطئا في هذا الطرح الثقافي الواقعي .. لأن ما في القلب من محبة .. لكفاءاتنا التي تتألق في مختلف العلوم والفنون .. هو الذي شجعني على استنهاض الهمم وتنوير مختلف الوسائل إلى التحرر من ( عقدة التخصص ) المثالي … الحياة دفء متعدد .. وبالكلام الدافئ نستطيع أن نستعيد ثقتنا بأنفسنا .. ونعطي الاعتزاز لكل ابداع مهما كانت خصوصيته ولكل مقام مقال