رغمَ أنّ النَّحو علمٌ سهلٌ بسيطٌ لغير المتخصّص فيه، وأنَّ تعلُّم أسسه وقواعده المهمّة الّتي يسلم بها التّركيبُ، ويُفهم بواسطتها الكلامُ في متناول اليدِ الّتي تسعى ولو قليلًا؛ إلّا أنّنا نجد الكثير من التّلاميذ يُعانون من صعوبته، بل ويكرهونَه لما يرون فيه من مشقّة، ثمّ يكرهون من خلاله العربيّة غالبًا، لأنّه أساسٌ من أُسُسها وأهمّ آلة فيها، ولأنّ الكلام دُونَه لن يُفهم.
فهل النّحو صعبٌ حقًّا، أم أنّ المشكلةَ تكمن في التّعليم؟
وإن كان كذلك، ما عوائق التّعليم، وما الحلول المقترحة؟
إنّ الطَّالبَ الكبيرَ سنًّا، يستطيعُ فتحَ كتابٍ من أُمّات الكتب، ليُطالع في ما قال سيبويه، بإمكانه ممارسةُ فعل التَّعلُّم، على عكس الطِّفل الّذي يعتمد بشكل أكبر على أستاذه؛ فهوَ في هذه الحالة، المفعول به، الّذي يخضعُ لعمليّة التّعليم.
المُتعلِّمُ الفاعل، أو الباحث يستطيع أن يلجأ إلى كثير من الشّروحات، أن ينقّب في بطون الكتب عن ضالّته حتّى يجدها، لكن التّلميذ الّذي لم ينضج بعد، يحتاج شيخًا يلقّنه هذا العلم، ويكتفي به.
والمُعلّم الّذي يمارس التّعليم، يواجه مشكلةً في طُرُق التّلقين عادةً، إمَّا لعجزه، أو بسبب قيود المنهج الّذي فرضَ عليه ذلك، والعجز لا يعني جهلًا بالضّرورة، بل إنّه قد يُكلّف أحيانًا فوقَ طاقته.
فنجد أنّ من أسباب كره التّلاميذ لعلم النّحو «عدمُ تحقّق الفهم» ذاك لأنّ المنهاج غالبًا لا يكون مضبوطًا، بل يكون مضغوطًا، تُراكم فيه المعلومات دفعةً واحدة، حيث يعجز الطّالبُ عن استيعابها؛ فيتوه بين كثرة المعلومات، والتّعقيد.
ثمّ إنّ كثرة عدد التّلاميذ، مع اختلاف مستوياتهم، ودرجات فهمهم، وتفاوت قدراتهم… تُعجز الأستاذ على إيصال المعلومات لكلّ المتلقّين بالصّورة الكاملة؛ فهناك من يفهم من أوّل مرّة، وهناك من لا يفهم إلّا بعد طول تكرار، وهناك من لا يفهم إلّا بالتّطبيق، وهناك من يحتاجُ التّجسيد على أرض الواقع بمثال حيّ.
وممّا لا شكّ فيه أنَّ من أسباب كُره التّلاميذ لعلم النّحو منذ الصّغر، طولُ القواعد النَّثريَّة، وإلزامُهم بحفظها دون الاكتراث للفهم؛ فحفظ النّثر صعبٌ عسيرٌ، وهذا ما تُثبته قلّة مرويّات النّثر قبل حركة التّدوين، وكثرة المرويَّات الشّعريّة، لأنّ قالب الشّعر موسيقا سهلة الحفظ مُلخّصة.
لذلك لا بُدَّ أن نذهبَ إلى اعتماد وسائل الإيضاح المختلفة، وأن يُتخلّص من الطّريقة التّقليديّة، أمثلة يُستخرجُ منها قاعدة نثريّة مُطوّلة، واستبدال ذلك بالاستناد في المناهج على المنظومات الشّعريّة السّهلة لفظًا، لتختصرَ على التّلميذ كثرة الحفظ، ويستخرج منها الأمثلة لا العكس.
فالنّظم وسيلةٌ جَرت بها العادة منذ القديم؛ فهاك مثلًا ابن دريد في القرن الرّابع الّذي نظم أرجوزته في المقصور والممدود، وهاك منظومات علوم القرآن الّتي فاقت المئة بعشرات نحو منظومة الزّمزميّ، وهاك ما نُظم في علوم الحديث كألفيّة السّيوطيّ… وغيرها الكثير ممّا نُظم في النّحو بسيطًا ومعقّدًا، فتلك الآجروميّة لشرف الدّين يحيى العمريطيّ مثلًا مناسبةٌ ليحفظها الصّغار.
ثمّ إنَّ الطّفل يميلُ للألوان والأشكال في التّعلُّم، ومن ذلك ما نصّت عليه بعض التّعليميّات؛ التّعليم من خلال التّرفيه، والألعاب. فبدل أن يطرح الأستاذ المعلومات بالطّريقة التّقليديّة، بإمكانه أن يبتكر أشكالًا تُساعد التّلميذ على التّعلم، فيرسم ويلوّن ويشكّل إن كان طفلًا، ويجتهد في ابتكار أشكال مناسبة دون المبالغة في الزّخرفة في التّلوين لِئَلّا يتشتّت انتباهه؛ فينشغل بالألوان عن العلم، أو يستخدم المخطّطات الذّهنيّة. كما يميل البعضُ للحفظ سماعًا لأنَّ ذاكرته السّمعيّة أقوى؛ لذا يجب أن يُخصّص المعلّم وقتًا للنّشاطات التّرفيهيّة الّتي يلقي فيها على مسامع طلّابه بعض الأشعار التّعليميّة، أو يوجّههم ليستمعوا إليها في أوقات فراغهم لاحقًا.
نهايةً، إنّ التّعليم مهنة مهمّة جدًّا، ولا بدّ أن يتنبّه الأستاذ لثقل الأمانة الّتي يحملها على كاهله، وأن يسعى جاهدًا لـيؤدّيها على أكمل وجه، وهذه اللّغة العربيّة علمٌ شرعيّ تعلّمه واجب؛ لأنّ الواجبَ وهو دين الله لا يتحقّق فهمه إلّا بفهم العربيّة.
كتبت: رزيق خولة.