مر أكثر من عام على غلق الجزائر بسبب محنة كورونا التي مازالت تفتك بأرواح الكثير من البشر في العالم.عام مشحون بالعذابات والآلام والتعازي التي لا تنتهي.عام مليء بالرجاء والمقاومة ومحاولة الخروج من النفق.كان الأمر لا يصدق ،وكان وقع الوباء كالصاعقة وكأن الأمر لا يعنينا ،وحكاية الأوبئة أسطورة قديمة لاتحدث في عصرنا الذي بلغ من التطور والعلم ما يحصن البشرية من المآسي.أتذكر خطواتي الأخيرة أنا وشقيقاتي في الأبيار عائدات من سيدي فرج وتوديعنا للبحر عن قرب.خطوات خائفة متوجسة مرتبكة بحثا عن الكمامات في كافة صيدليات الأبيار دون جدوى.كانت عيوننا ترنو إلى الآخرين وهم يركضون إلى اللاشيء.عيون مرتعبة،قلقة،لاتدري هل ننقرض أم نبقى؟هل الحكاية كذبة أم حقيقة.لم ندر أنا وشقيقاتي كيف لاحقتنا تلك المرأة وبرفقتها طفلة واوقفتنا لتحدثنا عن المستشفيات التي ستكتظ بالمرضى،وحالات الاختناق التي سيواجهونها،وموتهم السريع ليدفنوا باجراءات استثنائية ،ولايودعهم احد.كانت تلهث في حديثها ويتهاطل كلامها وهي تعلن لنا نهاية العالم.كنا نحدق فيها باستغراب والوباء في بدايته.اصرت على ان تستوقفنا لتقول لنا كل هذا في آخر أمسية لنا نقضيها في الخارج بدون كمامة وبدون احترازات او احتياطات صحية متعبة.كانت المرأة مسرعة وكانت خطواتنا اسرع ونحن لا ندري مانفعله إزاء مجهول قاتل.هربنا باتجاه السيارة وكأننا مطاردات لانعرف ماتكون عليه حياتنا وأطلقنا موسيقى صاخبة في السيارة لتغطي على دهشتنا وما ينتظرنا.ودعت سماء الجزائر المعافاة ،ودعت البحر مع عشاق قليلين له لايستوعبون أن كل حياتنا ستنقلب رأسا على عقب.وضممت احبتي خوف فقدانهم.مر زمن على كل ذلك وبدت لي تلك المرأة شبحا استوقفنا في الأبيار.وشيئا لا يصدق ولا يستوعب.هل كان ذلك لعنة أم شبح امرأة قادمة من عصور سحيقة يروي لنا المستقبل؟