إضاءات :
أكبر كذبة في التاريخ !
بقلم: منير مزليني
لم يكن “ابراهام لينكون” يدرك أنه يطلق أكبر كذبة في التاريخ وهو يصف النظام الديمقراطي بقوله أنه: ” حكم الشعب، من قبل الشعب، ومن أجل الشعب ” ! وقد يكون جزءا من مؤامرة كبيرة اسمها ” الديمقراطية ” انطلت على العالم، فراح الجميع يتسابقون من اجل الأخذ بها كنظام للحكم وأسلوب لتسيير شؤون البلاد. بدل تلك الأنظمة الكلاسيكية القديمة التي أطلقوا عليها اسم حكم الأقلية أو الأنظمة الاستبدادية أو الأنظمة الشمولية وغيرها.
وعلّ المتأمل في عبارة (حكم الشعب) سوف لن يطول به التفكير طويلا ليكتشف أن هذه الجملة ما هي إلاّ مجرد عبارة مجاملة أو قول مجازي وصياغات سياساوية يراد من ورائها جلب الاهتمام وكسب القبول لدي شرائح الشعوب المكذوب عليها في الأصل. لأن الجميع يدرك ويعلم تمام العلم أن الشعوب جعلت لتُحكم ـ بضم التاءـ لا لتَحكم ـ بفتحها ـ وأن جميع المجتمعات سواء كانت بشرية أو حيوانية أو من صنف الحشرات أو الطيور أو غيرها، فهي دوما تتبع زعيما يقودها أو ملكا يحكمها أو نبيا يهديها إلى دين يبشر به. أما حكم الشعب هذا، فهو استغفال واستخفاف بالعقول وتلاعب بالمشاعر.
لكن لماذا هذه الكذبة ؟ ولماذا هذا النظام الديمقراطي بالذات ؟
حبُّ الزعامة والحكم غرائز بشرية يسعى وراءها الأقوياء منذ فجر التاريخ إلى أبد الآبدين. وكلما وجد مجتمع مهما بلغ حجمه أو شكله إلا ووجد من يسعى وراء زعامته وحكمه بدافع الغريزة، سواء أكان في الأسرة أو القبيلة أو الدولة أو القطبية وهكذا. فكلما اتسعت دائرة المجتمع اتسعت معها غريزة الزعامة والحكم. وهو الأمر الذي يفسر إغارة الدول الكبرى القوية على الدول الصغيرة المستضعفة، فاتسع مفهوم الحكم من الدولة التقليدية إلى القطبية ثم العالمية. ولأننا أصبحنا نعيش في عالم يحكمه نظام عالمي جديد تحت مسمى ” العولمة ” فلا غرابة من ظهور قوى عظمى أو حكومة عالمية تريد أن تتزعم هذا العالم أو هذه الدولة العالمية الكبيرة ! لكن، ما كان لهذا الأمر أن ينجح لو ظلّت نظم الحكم على سابق عهدها وبأشكالها القديمة أو كما كانوا يسمونها النظم الاستبدادية أو الشمولية ، لأنه في تلك الحال يصعب التحكم فيها وجمعها مع بعضها البعض في دولة كبيرة، والسيطرة عليها والتحكم فيها، ولذلك وجدت هذه الكذبة الكبيرة المتمثلة في النظام الديمقراطي الذي يعزف على وتر الحرية والحقوق ، ويدعو للثورة على الأنظمة الاستبدادية، أي ضرب الحكام بشعوبها وتحريضها عليهم حتى تسقط تلك الأنظمة التقليدية وتظهر نظم جديدة ترفع شعار الديمقراطية أو (حكم الشعب!). و ما هي في الحقيقة إلا أنظمة استبدادية أخرى ولكنها هشة، يسهل زعزعتها وإعادة تشكيلها من جديد وفق المتطلبات الجديدة التي تريدها القوى العالمية المتحكمة في زمام الأمور الحيوية من قوة عسكرية و ثروة وتكنولوجيا وإعلام وغيرها.
وحتى تنطلي الفكرة جيدا على الشعوب البشرية رفعوا لها شعارات براقة وعزفوا على أوتار حساسة مثل : حرية التعبير وسيادة القانون والتسامح السياسي والمجتمع المدني والمساءلة والشفافية واجراء انتخابات …الخ .
وحتى يشعرونهم ببعض الحرية جعلوا للديمقراطية أنواعا مثل الديمقراطية المباشر، والديمقراطية النيابية، والديمقراطية التعددية. كما جعلوا لها أشكالا، من مثل : الديمقراطية الرئاسة ، والديمقراطية البرلمانية ، والديمقراطية الاجتماعية والتداولية والدستورية والفدرالية والليبرالية وغيرها.. أو كما قال الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين ذات خطاب :” الديمقراطية مثل قدر العشاء، الكل يطبخ فيه مثلما يعرف وكيفما يشاء! ” .
ورغم ما تبديه هذه الديمقراطية من محاسن، من مثل : حماية مصالح المواطن، تحقيق المساواة، التداول على السلطة، تنمية الوعي السياسي لدى المواطن واعداده لأن يكون مواطنا صالحا وغيرها. إلا أن معظمها ظلّ حبرا على ورق ونظريات نقراها في مدرجات الجامعة، وعبرات يعلكها المتاجرون بالسياسية للكذب على شعوبهم المستضعفة ! بخلاف مساوئها التي يشهد بها الواقع من مثل: انتخاب الفاسدين، واستعمال أساليب غير أخلاقية وفاسدة للوصول إلى الحكم، انتشار الفساد والانتهازية، الحكم بمكيالين، تضييع الكثير من الأموال لتمويل الحملات الانتخابية ، استبداد المال على الأخلاق والمبادئ والقيم . وكل هذه الأمور حقائق موجودة على الواقع، ونتائج سلبية ظهرت مع الديمقراطية والتي أظهرت في الأخير أنها نظام استبدادي شمولي فاسد لكنه يحكم من وراء ستار، وبأسماء دكتاتورية هشة يسهل كسرها ومجاوزتها متى خرجوا عن حدود المطلوب أو المراد منهم، لأن النظام الديمقراطي وجد لهذا السبب وهو يسمح بذلك عن طريق الانتخابات المزورة التي يدعمها المال الفاسد والاعلام الكاذب. وأضنني في حلّ من ضرب الأمثلة، خصوصا في الدول المتخلفة والضعيفة. ولكن لابأس من ذكر شاهد حي قد يصلح لأن يكون نموذجا وشاهدا على التاريخ، والمتمثل في الانتخابات الأمريكية 2020 الأخيرة، أين رفض الرئيس (دونالد ترامب) المنتهية عهدته الاعتراف بخسارته في الانتخاب أمام نظيره (بايدن) ضاربا عرض الحائط بكل قيم الديمقراطية (العريقة)، رغم إقرار المحاكم ومجلس الشيوخ بذلك، إلا أنّه أصرّ على كون الانتخابات مزورة، وحرض أتباعه على اقتحام مقر مجلس الشيوخ لمنعهم من التصويت على نتائج هذه الانتخابات بصورة لم تترك للشعوب الاستبدادية و المتخلفة مجالا للهمجية ونصيبا من التطرف. أين أظهرت الولايات المتحدة الأمريكية للعالم أجمع وهي أكبر دولة في العالم وأكثرها تشدقا بالديمقراطية، كيف أن هذه الأخيرة، ما هي إلاّ مجرد لعبة تحركها أصابع يد أصحاب رؤوس الأموال الضخمة، وبأنها أكبر كذبة في التاريخ !
الخميس : 14/01/2021