أمرر يدي بهدوء على الزجاج، أتأمل غفوته طويلا وكأني أعِده أنّ أنفاسه ستعود، وأراهن على ذلك بكل القضايا التي لا زالت عالقة بيننا، والتي تحتاج إلى تأريخ وتحليل ونقاش، فمنذ اكتشفت فطنته التي تجاري هذا العقل الذي يشقيني، زهدت في مجالسة رواد هذه الأرض التي ما عاد سكانها يفتحون شهيتي على الحياة فيها..
أتذكر آخر مريض عاينته في الاستعجالات، كان قلبه متوقفا، وكانت الصعقات الكهربائية معجزة أعادت له النبض، أبقى جاحد النظرات أتأمل سكونه..
أتساءل هل من واجبي كطبيب أن أنقذ حياتك ؟، ماذا لو سبقني الموت إليك، هل سأغفر لنفسي؟
ينبعث جزر من داخلي:
ليس هناك وقت للأسئلة عليك بتفقد النبض..
أشعر أن أمامي حالة ولادة وسأهبني حياة أخرى ، ففي الحقيقة حياته تحديدا هي متسع لحياتي أبحر في ذاكرته لأشعر أني على قيد الحياة وليست على قيدي ، ألبس نظارتي وقلبي يدق كأب سيسمع صرخة ولده بعد ثانية مندفعا نحو الخارج ، وأبقى أنتظر ، أحرك نظري يمنة وشمالا ، أثبت خبرتي على جسده مرة و اثنتين وثلاث ، أتفرس في أجزائه جزء تلو الآخر والعرق يتدفق مني نوافير خوف لم أشعر بمثله حتى وأنا أبحر بخيالي في المستحيل ، باءت كل محاولاتي بالفشل ،عاد صدى تمتمته وكدت أجزم أنها واقعية وأن خيالي لا ناقة له فيها ولا جمل : أنقذني .
شعرت بالحزن يثقل صدري نزعت النظارة وانهمرت دمعة حارة شعرت بها تحرق وجنتي اليمنى.
فجأة ربتت أختي على كتفي تحمل في يدها كوب الشاي الذي اعتدت أخده عند الثامنة ليلا، نظرت إليّ مشدوهة تسأل:
لماذا تبكي؟
لم أستطع إنقاذه، ليس لي خل سواه، أنا قتلته إهمالا..
فتحت فمها وانقلب من يدها كوب الشاي وهي ترتعش ” محمد”؟
لم أكترث كثيرا لاضطرابها ولا بحثت له عن سبب وهي تذكر محمد صديقي الوحيد بتلك الطريقة التي تشي بالمستور بينهما فأنهيت جزعها بقولي:
سقط هاتفي في الماء، ذهب وأخذ معه كل ذاكرتي وما عشت سنوات أجمعه من سوق الحياة..
استشاطت غضبا وهي تنعتني بالجنون وتلعن شيطاني التي تقول عنه دوما أنه مارد عظيم يأتيها بالمصائب من كل صوب منذ كتب علينا اليتم ذات ميعاد كان موقوتا..