الشيخ محمد الصغير داسة في ذمة الله…
بقلم : د.مجاهدي بلقاسم *
لقد كانت فاجعة لي هذا الصباح ، فاجعة نعي وفاة الشيخ محمد الصغير داسة ، فاجعة فقدان صديق عزيز وزميل كريم …
تفقدك اليوم البيرين وغيرها من المناطق الأخرى وولاية الجلفة وكل الوطن ، وتفقد فيك المربي الألمعي الذي أفنى حياته في خدمة الأجيال المتعاقبة منذ ما بعد إعادة الاستقلال الوطني إلى تاريخ تقاعده قبل حوالي عشر سنوات .
وتفقد فيك الأديب الأريب ، الكاتب القصصي للكبار والصغار صاحب الإنتاج الوفير – منه ما طبع ومنه ما لم يطبع – وكاتب المقالة عموما والمقالة التربوية خصوصا .
كما كتب في كثير من الجرائد والمجلات الوطنية ، وشارك في كثير من الملتقيات التربوية والأدبية …
تتلمذ على أبيه الشيخ “سي بلخضر داسة ” (إمام بمسجد البيرين )، كما تتلمذ على الشيخ “عبدالحفيظ الحسني القاسمي” وواصل دراسة بزاوية الهامل العلمية ، ثم التحق بالتعليم الابتدائي بعد الاستقلال مباشرة .
تتلمذت على يديه الكريمتين بابتدائية الذكور(الهادي بن عطاءالله حاليا) إلى جانب كوكبة من زملائه المعلمين الذي أسسوا للمدرسة الابتدائية (بالبيرين) بعد الاستقلال كالأستاذ القدير “العيد عوج” و”محمد ابراهيمي” و”محاد واعلي” و”السعيد أميار”..وغيرهم .
وبعدما التحقت بالتعليم خلفته في قسمه ، لأنه كلف بمهمة مستشار تربوي ومدير لبعض المدارس الابتدائية على التوالي بالبيرين وعين وسارة وحد الصحاري ، كما كلف بافتتاح وإدارة إكمالية “أحمد بن ساعد” بالبيرين التي افتتحت سنة 1973 ، ثم خلفته بتسيير إدارتها في العام الموالي ، لأنه كلف بالاستشارة التربوية والتفتيش بدائرة “قصر الشلالة” الواسعة آنذاك (التي كانت تضم دوائر: قصرالشلالة وسيدي لعجال وعين وسارة والبيرين وحد الصحاري ) ثم التحق بمعهد التفتيش الجهوي بوهران سنة 1982 ، وعامها تخرجت من مركز العاصمة للتكوين في التفتيش وخلفته بمفتشية عين وسارة السابقة ، لكنه بعد تخرجه من معهد وهران للتفتيش ، تم تعيينه بولاية المدية وبدائرة “البرواقية” تحديدا ، ثم عاد إلى ولاية الجلفة ، وبالضبط إلى مفتشية دائرة حد الصحاري وبقي بها إلى أن تقاعد رحمه الله .
ترافقنا خلال مسيرتنا التربوية الطويلة ومما يشهد له فيها ، أنه كان صارما وجادا ومخلصا في عمله ، ولا أعتقد أنه تغيب يوما عن عمله إلا للضرورة القصوى ، فلا تثنيه الأحوال الجوية بأمطارها وثلوجها وانقطاع سبلها وحتى زوابعها الرملية عن واجباته اليومية ، ولا حتى الظروف الأمنية الخطيرة أيام الفتنة في تسعينيات القرن الماضي فإنها لم تعجزه عن أداء واجبه … ولكل بشر عيوب ، ولمرحومنا عيوب كثيرة ، لكن أكبر عيب فيه وأشهد الله عليه …هو عيب الإخلاص والتفاني في العمل ، وفي هذا الخصوص – فقد ذكر لي أكثر من مرة (المرحوم الشيخ الحسين بلعيد الذي كان مدير المدرسة المركزية “بحدالصحاري” ، وهو عملة تربوية وإنسانية نادرة ) – أن الشيخ داسة كان يحضر الندوات التربوية أيام الثلج قبل حضور المعلمين والمديرين ويقطع المسافة مبكرا من مقر سكنه بالبيرين إلى مقر المفتشية بحد الصحاري وهو لا يملك سيارة بل يمتطي سيارة من نوع الطاكسي المخفي (كلوديستان) .
وإلى جانب نشاطه الرسمي ، كان يقدم دروسا مجانية بالمدرسة الحرة – النجاح – التي أنشأها الشيخ الفاضل عبدالحفيظ القاسمي –رحمه الله- بالبيرين أثناء الثورة التحريرية – أعتذر لأني لا أستطيع ذكر الكثير من مناقبه حتى لا تطول هذه الكلمة في حق الرجل .
أعزي كل الأسرة الكريمة وجميع الأهل والأصدقاء والزملاء في فقيدنا الغالي …وهو مجموعة من الفضائل الكريمة لا تجتمع إلا في مثل المرحوم محمد الصغير….
رحمه الله ….وتقبله في الصالحين ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د / بلقاسم مجاهدي … تلميذ وصديق المرحوم