الجدران
قصة قصيرة – جاسم الحمود
سأوصيكَ وصيةً يا بنيّ احفظها والتزمْ بها أمشي بجانبِ الجدار وقلْ : يا ربّي السلامة .
لا أدري لماذا أطعتُ أبي والتزمتُ وصيته بدقة , رغم كرهي للجدران وإحساسي أنّها تحدُّ منْ حريةِ الإنسان,ذاتَ مرةٍ أمام البيت أخذ طفلٌ شقيٌ مني لعبتي , طلبتها منه رفضَ , أنا لن أتخلّى عنْ لعبتي , تعاركتُ معه لكمتهُ ركضَ أبي إليّ وجرّني بعنفٍ .
قلتُ له : أخذَ لعبتي .
قالَ : بخوفٍ دعِ اللعبةَ , أبوهُ رجلٌ شريرٌ … ثم همسِ : يا بنيّ أمشي جانب الجدار واترك المشاكلَ هلْ فهمت , منْ يومها صار كلُّ شقيٍ ينتزعُ منّي ألعابي , وأنا اهربُ باتجاه الجدار , صرتُ دوماً أمشي بجانبِ الجدارن رغمَ حساسيتي منها , وصيةُ أبي ترّنُ في أذني كلّما فتحتُ بابَ البيت وهممتُ بالخروج – أمشي بجانب الجدار وتجنّبَ المشاكل- أمشي وأرددُ يا ربِ ستركَ , صرتُ أمشي في الشوارع ملاصقاً لجدران البيوت , في ذهابي للعمل .. لموعد ..للسوق , الصعوبة الوحيدة التي تواجهني كلَّ يومٍ هي ساحةُ المدينةِ الكبيرة , كلَّ يومٍ في ذهابي وعودتي للعمل مجبرٌ أن أمرَّ بها , ساحةٌ كبيرةٌ واسعةٌ بلا جدرانٍ … كيفَ سأقطعُ المسافةَ ؟ كيفَ أجتازها دونَ جدارٍ يحميني ؟ بعد تفكير طويل توصلتُ لحلٍّ , صرتُ أدور حول الساحة الكبيرة ملازماً لجدران المحلات , حتّى أصل مكان عملي , وسط استغراب رفاقي في العمل , متسائلين : لما تدورُ هذه الدورةَ الكبيرة , اقطعِ الساحةَ مباشرةً واحفظ وقتكَ وجهدك , فاستمرُّ في هروبي غيرَ مكترثٍ , بعد فترةٍ اكتشفتُ أنّ كثيرين مثلي يماشون الجدران , عندما قصفتِ الطائراتُ المدينةَ بقينا في ملجأ العمارةِ أكثرَ منْ شهرٍ أبي شددَّ عليّ التزمْ جدارَ الملجأ , لا سمحَ الله إذا انقصفَ الملجأ تحت الجدار هو المكان الأكثرُ أماناً وعندما خرجنا بعد توقفِ المعركة , كانتْ أغلب بيوت المدينة مدمرة , كانتْ مدينةً بلا جدرانٍ , عدنا لبيتنا هناك غرفة باقية لمْ تتهدمْ تحتاجُ بعضَ الإصلاح , يلتفتُ أبي إليّ : أترى تلك الأنقاض في أخرِ الشارع أرى فيها حجارة جيدة سنجلبُ بعضَها لإصلاحَ الغرفةَ المتبيقة من البيتِ تعالَ معي .
يمشي أبي وأنا مكاني لمْ أتحرك , يلتفتُ إليّ : تعالَ .
– لا أستطيع يا أبي لا أستطيعُ المشي .
= هل أنت مصاب ؟ يتسائل .
– لا يا أبي لكني لا أستطيع الخروج والمشي في الشوارعِ , الشوارع بلا جدرانٍ تحميني .
= يردُّ مندهشاً هلْ جننتَ ؟
أردُّ بخوفٍ :لا ولكنّي لمْ اعتدِ المشي في الشمس , يغضبُ أبي يحملُ عصاهُ و يهددني : اذهبْ هيا اخرجْ و اكسرحاجزَ الخوف , يتقدّمُ منّي غاضباً , سيضربني … أبي وأعرفهُ … وأنا أخافُ جداً منه , التفتُ حولي بحيرةٍ أرى بقايا جدار المطبخ , أركضُ إليه أقتلع الجدارَ أحملهُ على كتفي و أمشي بأمان .
– انتهى –
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاسم الحمود – تموز 2020