زهر للنسيان للشاعرة الجزائرية نصيرة محمدي
بقلم احمد فاضل
شَدْ صامت لإملاء حيواتنا بالعواطف
كان لمهرجان المربد الشعري في دورته 32 دورة الشاعر البصري الكبير كاظم الحجاج في فبراير / شباط من هذا العام والمنعقد في فندق شيراتون في البصرة الفيحاء، فرصة للتعرف على هذه الشاعرة الجزائرية نصيرة محمدي والجلوس معها للوقوف على أبرز محطات حياتها العملية خاصة الشعرية منها، وعندما ودعناها بعد انتهاء أعمال المهرجان لم أودع أعمالها الشعرية بل بقيت على تواصل مع أبرز ما تكتبه من نصوص تعكس روحها الهادئة التي أبهرتنا بها طيلة أيام ذلك الملتقى الشعري الجميل .
في قصيدتها الأخيرة “زهر للنسيان” نطالع كيف تتحول الحروف إلى تساؤلات تصيب كبد الحقيقة، حقيقة أن العواطف يمكن لها أن تكون في يوم من الأيام لها حكم التأريخ الذي لا يمحى، العواطف التي أريد لها أن تسودها: “العتمة / وكم ستتأوه حديقتنا / لو لم تحن على الزهر”،
أما الدموع التي سنسكبها هنا فقد تكون في بعض الأحيان وسيلة للخروج من مآزقنا، وهي كذلك وسيلة طبيعية للتخلص من العواطف المكبوتة في دواخلنا حيث ينتهي شدهما الصامت إلى إملاء حيواتنا والعواطف التي لا يسمح لها بالإفراج تميل إلى التسرب في مناطق أخرى منها، والقدرة على التعبير عن مشاعرنا سواء منفردة أو من خلال التواصل مع الآخرين ضرورية لحياة بعيدة عن تلك الدموع .
القصيدة كانت مكتوبة بكلمات ناطقة، مسموعة تحمل بين حروفها حرارة لحظة معينة من الشعور بالكبرياء أو الغضب أو الحزن أو الفرح أو الحب، إنها محاولة لتغليف تلك العاطفة وإعطائها الحياة من خلال ما نثرته الشاعرة محمدي، هذا النوع من القصائد العاطفية لها قدسيتها في القلوب الموجوعة بالحب، وكل منها لديه ارتباط قوي بالأحداث التي شكلت واقعيتها وصبغتها بألوان وردية ورمادية احتوت أبياتها جميعاً، هي على جانب من المشاعر في الأداة المستخدمة لالتقاط وتحديد هويتها اختارت موضوعتها الشاعرة لأنها تحمل في طياتها قصص العواطف المنكسرة وسحبها خارج صدورها المخبأة فيها تحمل لاءاتها الكبيرة في محاكمة علنية شهودها تلك الأيام والليالي، وعندما يتم التعبير عنها بشكل نثري وأعني بها المعايير الشعرية الحداثوية فقد تنقلب الكلمات إلى فن سريع التأثر لا ينسى .
القصيدة /
جرب أن تترك
يدي في يدك
لتمضي بها إلى النبع
سترتجف في الطريق
وتعود مبتلة بالكلمات
جرب أن تنساني
جرب أن تنام
كطير حر
بلا ذاكرة أو عطر
جرب أن ترهف
السمع والنظر
لتلك الطفلة
التي ظلت عالقة
في قامة البحر
لم يسعفها المارون
على حواف الحكمة
لم تعرف
كيف ينسكب الرمل
من القلب
وكيف تغدو المسالك
محض افتراء
محض ثرثرة يرمي
بها البحارة
مقهقهين مع خيط
سجائرهم وخيط الفجر
الذي لم يبزغ
في عيون الطفلة
جرب أن تنأى بنفسك
عما تنبجس
منه الأسرار
ويتناسل من جوفه
الشعر
سينبثق صوت
من عزلة المريد
ويصرخ جسد
يا لحماقة ما اقترفناه
في حق الانتظار
وحق الزهر
حين باكرا أيقظ
الوجود والأطفال
ونثر عطره في القلب
جرب أن تعرف
كم ستألف العتمة
وكم ستتأوه حديقتنا
لو لم تحن على الزهر
***
كتابة / أحمد فاضل