شفْناهْ ورِيناهْ و عْرَفْنا واشْ نواهْ
بحتِ الحناجر و الهاجرة تزيد وهجا من عرق الكادحين.
شفناه و ريناه
تأخرَ عن إتمام تراتيله لما أن سَبق بأسرة ذهبية هذا الإناء الذي اقتحم ما فُتح من الباب:
-اشفع لي بدعوة يا طالب
تأخر الرفقة و تقدمَ ، يداه على الإناء لامست أو أوشكت أو يخالها لحقت بأصابع رهيفة انسحبت من حول الإناء بنعومة.
لامست الشفاه العطشى طرف الإناء و ارتفع البصر العطش نحو شق الباب، جرعة ثم الصوت يأتي من الخلف جماعيا:
ــ شفناه و ريناه
حملق ، حدق،دقق ، لم يتبين
الصوت الجماعي يواصل :
-و عرفنا واش نواه
الأصابع تنثني على دفة الباب ، و دوره في مواصلة الكورس الجماعي ينطقه:
-بيضة ، بيضة يرحم والديكم
-ادع لي يا طالب
-سقيتنا عذبا فراتا سقاك الله شربة هنيئة يوم القيامة
سلم الإناء للرفقة ، شربوا و بإشارة لمواصلة المشوار كان الزقاق يردد:
-شفناه و ريناه و عرفنا واش نواه
-هاك الإناء ، ارتوينا
-ادع لي يا طالب
-آه ، سأدعو يا…
صامتِ اللغة و أحجِر عن المعنى ، بماذا تراه يخاطبها ؟ يابنت ؟ نعم قد تفي هاته بالغرض
-بعد التجلي يا بنت ..بعد التجلي
اختلطت عليه تراتيل جمع البيض مع حكاية ذياب الهلالي و هاته الجازية ، و تذكر أنه بدل تحفيظهم : خط العيد خططناه ، في الألواح زوقناه ، صب جام صوته في ما ردده ذياب و تناقلته الأجيال .
أطلت لما أن أحست منه تباطؤا خيل إليه ، أو تكون قد أرادت التجلي،
-عرفتني؟
-من ……؟
كم تمادينا في اللعب و كم جنبا الى جنب نتسابق في القشير ، نملأ الروابي شغبا ، أكثر مما تحدثه خرافنا و هي تثغوا بمرح فطري ،تنكزني بكتفها كلما جمعنا أعواد الصّمار لصناعة صناجة الجبن،
-لن يجمد
أضيف للحليب ما تناثر من زهر الخرشف و اتحداها ،
-سيجمد يا بنت ، سيجمد
أعادته إلى اللحظة:
-تفاجأتَ؟
حملقَ ، حدّق، دقق ثانية ، لم يك بياضها ما اتضح له بدءا، شحوبٌ ألبسها صفرة باهتة ، امتص حمرة خديها و سمرة ساعديها و بريق عينيها الحاد ، قيل أنها مرضت و كفى ، و قيل أن جِنًا ركبها ، و قالت نسوة في الحي أن الشيخ لما جاء لإخراج الجان ركبهُ فركبها بدوره ، و سترًا تم تزويج المارد الجديد بها في غفلة من ألسنة القرية .
هل كانت تلك الزغاريد التي سمعها تصدر متقطعة محتشمة تُنبيء عن الخطب العظيم؟
-شيخنا زوجناه ، جبنالو حورية من حوريات الجنة
عاد الكورس الجماعي و قد استدركوا تراتيل بيضات التزويق
-عرفتني الآن يا عامر ؟ ألا تزال تذكرني مثلما أذكرك أنا بتفاصيلك ؟ أتذَكر ما يضحكك ، و ما يحزنك ، متى تهفو إلى شيء ، أحفظ حتى موضع الشامات من جسمك ،أتذْكر حينما ضربتك مرة لما دفعت بي إلى ماء الغدير ؟ كنتُ تبللت تماما لما أن اختفيتُ وراء الدفلى ، كسرتُ منها عودا لينا ، لحقتَ بي و لم تك تعلم أين أختفيتُ تحديدا ، ضربتك على كتفيك ، تألمتَ فرحتُ أنزع عنك ثوبك لمعاينة مكان الألم ، كانت الشامات تتوزع كتفك الأيمن ، عضضت احداهن بلطف ، تأوهتَ بتخابث فأكتفيت بتقبيل موضع الضرب ، أما زلت تذكر؟ أما تزال الشامات مكانها؟
-بيضة بيضة يرحم والديكم
أشار إليهم بالتوجه إلى زقاق آخر و منهم من يسترق السمع و منهم من يسترق البصر
-خط العيد خططناه..
صوت نشاز:
-و الشيخ رَاهُو جَايْ
ابتعد عنها خطوة ، مسكه من ساعده:
-من أين ؟
أشار الى الدرب الذي جاؤوا منه
أطلق سراح ساعده و مد فمدت و تلاقت الأصابع منفرجة عن بعضها تاركة مساحة للأصابع التي ولجت بينها بحنو،
إلى اليمين ذهبوا
إلى اليسار التفتا
هل من مسلك ثالث؟
لم تفقس بيضات التزويق تلك السنة ، لكنها أنتشت نباتا يشبه الصبار ما لبث ينمو بسرعة كبيرة حتى غطى على القرية ، لم تعد أشعة الشمس تخترقه ، و وصل القرى المجاورة.