بعدَ أوّل اِنكسارة، غلَّقتُ أبواب قلبي، تيقّنت أنَّ الحُبَّ دَرك من دركات جهنَّم، يهوي بنا في النَّار، وكلّما احترقنا داوى حروقنا وبرَّدها بالوهم والآمال، ثمّ كرّر فعلته مرّة بعد مرّة.
لكنّ الحبّ كان أقوى منّي، فكّ القيودَ عن قلبي، وحطّم الأغلال؛ فبعد أن أحكمت إغلاقه، عُدت وفتَّحته على مصراعيه، وأُلقيت في عذابه من جديد!
نسيتُ وعدي لي وما أنسانِيهِ إلّا عيناه، نسيتُ كم اشتدّ بيَ الألم وكم بكيت وكم نُكّل بجثّة فؤادي، وكم استأكل الحبّ من جسدي وفَطِني، وعُدت لأعشقَ، لأشتاق بكلّ حواسي، وأسهرَ وأُعذّب!
كان شخصًا رجلًا، تغلبُ على طباعه نخوةُ رجال الجزائر وأصالتهم، وغيرتهم ورصانتهم، لا يلفظ إلّا قِسطًا، ولا يفعلُ إلّا عدلًا، ولا يخالف قوله عمله، يحملُ في قلبه الكثير من الرّفق، يبتلعه حين يعلق في لسانه؛ لكنّه يتبدّى في أفعاله.
لكن أنا على عكسه، كنت امرأةً تخنقها النّخوة إن زادت، والغيرةُ إن أَربت وفاضت، أقولُ بعاطفتي الكثير؛ فلا قسطٌ ولا عدلٌ، ويخالفُ قولي قناعاتي أحيانًا، لشيء في نفسي يشبه الغطرسة، يجعلني من بَجاجة النّاس في الحبّ، بل كنت أجعلُ الحُبّ حربًا؛ وما كان عليه إلّا أن يُجريَ عليّ حدّ المَقت…
لم يكن يمقتني؛ لأنّه لا يكره أحدًا، لكن كان يكره حبّي له!
قرأتُ في كلامه مقت الحبّ؛ فلم أُفصح، ورُحتُ أدسُّه عسلًا في سمّ نصوصي، أكتب عن الفراق، والأوهام، والجروح، وأقصدُ في كلّ كِلمة كرهٍ ميلًا شديدا، أبيتُ يقتلني الكلف، أبكي؛ فيزيد الشّغف!
نحن
لن نلتقي
فكفّ عنّي حبّك!