مراجعة لرواية: أموات يتنفّسون.
الكاتبة: نشوى خوذيري.
نوع العمل: رواية.
تصميم الغلاف: أيمن حولي.
تدقيق لغويّ: نسيمة جقريف.
النّاشر: رسائل للنّشر والتّوزيع.
عدد الصّفحات: 140.
_ لقد استطاعت الكاتبة من خلال العنوان أن تعبّر عن محتوى الرّواية، أعطتنا نشوى النَّسق العامّ، أو المسرح اللّغويّ للأحداث، الّذي نمرّ من خلاله لفهم أعمق.
عالجت الكاتبة في عملها عدّة أفكار، يمكن تلخيصها في قولنا: الموروثات الّتي نقدّسها بحجّة أنّنا ألفينا عليها آباءنا؛ فكدنا نجعلها سنّةً.
تدور الأحداث في قرية «الدُّوَيس» وهي بلديّة تابعة لدائرة الإدريسيّة، تقع في الجنوب الغربيّ لولاية الجلفة، ويقال إنّ اسمها تصغير لكلمة «دَوس» ومعناها الدِّراس بأرجل الدَّواب في زراعة الحبوب. وربّما في ذلك جانب من الصّحّة حيث إنّ فيها أحسن منطقة فلاحيّة على مستوى الجلفة، اسمها: عين الشّهداء.
أمّا الزّمن؛ فصيف سنة 2015.
موضوع الرّواية الأساس يندرج في إطار الأعراف الّتي توارثناها عن أجدادنا: المرأة مكانها البيت، لا تدرس، تتزوّج في أوّل فرصة جيّدةً كانت أم سيّئة، العروشيّة، كلّ هذه موروثات لم نتمكّن من التّخلّص منها بعد، والكاتبة عبّرت عنها ووصفتها كأنّها تعيشها، بصدق وواقعيّة، كما هي، ولعلّني من أحقّ النّاس حكمًا على صدق الوصف هنا؛ لأنّني أعيشُ وسْطها في مجتمعي.
أمّا الموضوع الخارج عن إطار العادات كان «الإلحاد» عالجته الكاتبة بأسلوب فلسفيّ.
تعدّد السّارد داخل نصّ الكاتبة، وبذلك تعدّدت الأصوات ووجهات النّظر، ولاحظت ما يسمّى بـالتّجريب السّرديّ في بعض المواضع…
الصّوت الأوّل: مرام.
_ هي البطلة، وفي القصّة شخصيّة مكافحة، تقف في وجه العادات والتّقاليد، غير أنّنا نراها تارةً تصرّ على حلم، وتارةً أخرى تتخلّى عن آخر، ولعلّ الميزان الّذي كانت تزن به قراراتها تلك هو الشّرع، هنا أعربت الكاتبة عن جانب أخلاقيّ في الرّواية.
الصّوت الثّاني: طارق.
بطل القصّة، شخصيّة متناقضة، في صراع دائم مع ذاته، صراعٌ نفسيّ مستمرّ، يقتفي أثر الحبّ ليصل أخيرًا إلى الخالق.
استطاعت نشوى أن تصف شخصيّات قصّتها بدقّة بالغة، فجعلت منها شخصيّات حيّة، يمكن للقارئ الجلوس معها، ومناقشتها، وبذلك تجلّت المكنة اللّغويّة الّتي تبيع الكاتبة حبرًا وأوراقًا.
تبدو الشّخوص من خلال وصف الكاتبة شخوصًا متأزّمة، وهذا ينطبق على كلّ الشّخوص، مثلًا «زينب» الّتي مُنعت من الدّراسة، وتزوّجت قسرًا رجلًا في سنّ والدها.
بالنّسبة للحوار؛ فقد احتوت الرّواية الخارجيّ، والدّاخليّ، وجمعت فيه نشوى أحيانًا بين الفصيح والعاميّ.
ثمّ إنّها أظهرت براعةً في كتابتها البِنية الحواريّة، من خلال التّفاعل القائم بين العناصر المتحاورة، منقول بعفويّة تامّة، تجعل القارئ يتأثّر ويتفاعل كأنّه جزء من الحوار.
أمّا ما استخدمته الكاتبة مع شخصيّة «طارق» أظنّه يُسمّى« تيّار الوعي» وهو نوع من الحوار الدّاخليّ، يمسّ الجانب النّفسيّ للشّخصيّة، يساعد استخدامه في التّغلغل في أعماق الشّخصيّة، وتحليل دواخلها، وإن كان مناقضًا للشّخصيّة من الخارج.
الحدث الصّاعد كان مستقبلَ مرام الدّراسيّ، وحبّها لطارق، قصّة الحبّ المُحارَبة من قبل الأهل، بسبب صراع بين العرشين.
بلغت الحبكة الذّروة بنجاح مرام في البكالوريا، واعتراف البطلين بالحبّ، هنا تعقّدت الأمور أكثر، والمصير كان غير واضح.
الحدث النّازل: لا أودّ ذكره تفاديًا لحرق الأحداث.
أمّا النّهاية كانت نصفَ نهاية، مصير مرام في الدّراسة كان واضحًا، أمّا مصيرها في الحبّ بقي نهايةً مفتوحةً.
حسب المواضيع ومجريات الأمور، تنتمي الرّواية للمدرسة الواقعيّة، ولا بدّ أن الكاتبة اختارتها لمناسبتها الموضوعَ الأساسيّ الّذي بُنيت عليه الرّواية.
مناطق الجمود في الرّواية تستقرّ على بحر موضوع الإلحاد، حيث إنّ الكاتبة لم تعطه حقّه الكامل في الشّرح والتّحليل، ثمّ إنّ الفلسفة والدّين -في نظري- لا يلتقيان، ربّما كان عليها معالجة هذا الموضوع بالاستناد على ركائز الدّين أكثر من العاطفة. أمّا الشّفرات؛ فلا وجود لها إلّا في النّهاية بحكم أنّها مفتوحة.
التّقييم سأقسّمه على أقسام حسب المعيار، لأكون أكثر دقّة:
_ الأخلاقيّ 10/10
_ الاجتماعيّ 10/10
_ الجماليّ 9/10
ينقص الرّواية تدقيق لغويّ أجود، والإحالة على الألفاظ العاميّة بالشّرح ليفهمها جمهور القُرّاء.
_ أشير أخيرًا إلى أنّ كلامي هذا ليس بمقال نقديّ، وإنّما مجرّد مراجعة ولدته قريحة محبّةٍ للأدب، أو قارئة…
بارك الله في الكاتبة نشوى، ووفّقها لمزيد من الأعمال القيّمة كهذا العمل.