الشعر هو الفن الأرقى والأقدر على مواجهة العالم.
نصيرة محمدي شاعرة من نار ونور، تعزف على وتر الروح منشدة أبهى السنوفنيات لتنسج بها أجمل القصائد ، تحلق بك عاليا في فضاءات متنوعة بين المقالة تارة وبين القصيدة تارة أخرى التي وهبت لها روحها وفي هذه العجالة ارتأينا أن نلامس الكثير من محطات نصيرة الشاعرة نصيرة الإنسانة فكانت رحلة السين والجيم بداية لفضاء آخر تعرف الشاعرة كيف تلامس شغاف القلب دون إطالة إليكم الشاعرة والأكاديمية نصيرة محمدي في هذا اللقاء.
سؤال روتيني كيف تقدم الشاعرة نصيرة محمدي نفسها للقراء ؟
.أفضل ما يمكن أن يقدم الكاتب هي أعماله التي اجترحها من دروب الحياة المتشعبة وكابد فيها اللغة والجمال والحرية والألم والموت، وأسئلة الوجود اللانهائية. يكتب الشاعر ليعلن عن وجوده القلق والمختلف متنبها إلى الشعر المترامي في الطبيعة والحياة ؛في الروائح والأصوات والظلال والمعاني والكلمات،في الموسيقى والألوان والمذاقات وفي التعاطي الحميم مع اللغة باعتبارها خزانا آخر للكتابة.ينصت الشاعر لجسده ولدبيب الحياة في كل الكائنات التي تملأ الكون ونشغل بما يتوارى وراء الأشياء واللغات والتجارب في مغامرة مؤلمة وجميلة وعميقة تكثف وجوده وتعكس روحه المنصهرة بالشعر.على هذا الأساس أعتبر ذاتي باحثة عن الشعر ورؤاه البعيدة ،عاشقة لهذا السر الأبدي .
- الكثير من الشاعرات بعد التألق يختفين فما سر بقاء الشاعرة نصيرة رغم تألقها وما سر هذه الاستمرارية؟
هل تختفي الشاعرات حقا؟ سؤال عصي على التقبل والشرح.الشاعرة تكتب بروحها وجسدها وتكتب باللغة التي تدهش وتنفلت من العادي والمألوف والسائد ،ولا تستنسخ تجارب الآخرين.تكتب الغياب واليتم والجرح والمباهج المستترة والخفية.تكتب الحرية المبتورة في أوطان تترصد لكل فكر حر وذات مغامرة ومعتدة بوجودها وكسرها لمفاهيم متخلفة وقوانين إقصائية ومجحفة.هي قيود المجتمعات التي تحمل فكرا متخلفا وتنظر بارتياب وتحقير لما يمكن أن يؤسس على الحرية والثقافة المتجاوزة للبؤس والفقر الفكري.الوعي بهذا الأمر مسألة في غاية الخطورة و الأهمية والحساسية نظرا لموقع المرأة الكاتبة والنظرة الدونية لما يمكن أن تنتجه على صعيد اللغة والفكر والثقافة والشعر خصوصا باعتباره الفن الأرقى والٌأقدر على مواجهة العالم والوجود والآخرين بالكلمات.الشعر الذي يحضر في وجدان الانسان في كل تاريخه.الغياب القسري للشاعرات ربما فرضته هذه السياقات الاجتماعية القاسية ،والأنساق الفكرية المنمطة الرافضة لأي تغيير أو انفتاح على الذات والتجارب الكونية.
- تنتمين إلى جيل استطاع أن يقدم الكثير وأن يعطي لقصيدة النثر مكانة رغم الصراع القائم أنذاك بين أنصار العمودي وأنصار قصيدة النثر ولكن نراها الآن قد خفتت نوعا ما مقارنة بجيلكم إلى ما يعود هذا في نظرك؟
الشاعر كتلة النار التي بداخله محترق بالنار التي حوله .قصيدته مثله نار متوهجة متى ما انطفأت تحول إلى رماد.تجربة لا تتجدد إلا بالاشتغال والبحث والقراءة والانصهار بتجارب الحياة والانتباه لتفاصيل العالم،ورؤية الشعر في اللامتوقع والهامشي والمنسي ،وفي الأشياء الصغيرة الدافئة المضيئة أو الشرسة القاسية التي هي الشعر بعينه.قصيدة النثر مختبر تجارب للشعراء الذين لا يقلدون ولا يستنسخون ولا يكتفون بالمعارف المحدودة والأدوات المكرورة .شعراء يوغلون في عوالمهم مهما كانت غريبة ويغرقون في مغامراتهم بكل عنفوان الحياة وإشراقها ومعانيها اللامكتشفة.
- التنوع الكتابي والإبداعي للشاعرة هل يعتبر إضافة للإبداع أم هو التشتت ؟
منابع الكتابة متعددة ومختلفة ومحمودة. من يملك أدوات الكتابة وروح التجربة وكثافتها وتجديدها وابتكارها نتوقع منه الأجمل دائما.التشتت يكون حين يكون الفراغ والسطحية والضعف وعدم الاعتراف بحقيقة وحجم الذات أمام الإبداع.
- هل ممكن أن نقرأ رواية للشاعرة نصيرة محمدي في ظل اتجاه الكثير من الشعراء إلى العمل الروائي في المدة الأخيرة؟ وكيف ترين هذا التوجه؟
لا أعرف إن كنت مؤهلة لكتابة رواية مركبة وقوية ومدهشة بعوالمها واتساعها وحكاياتها وتفاصيلها ومخيالها الفريد.لكنني لا أتوقف أبدا عن قراءة الروايات ،واعتبارها من متع القراءة الباذخة بالنسبة لي كشاعرة مفتونة بفنون كثيرة وتتغذى منها باستمرار.
- عندما لا تكونين شاعرة في أوقات فراغك من تكونين؟
طفلة وامرأة تتصارعان وتتعانقان بداخلي .حكيمة ومجنونة بالفن والحياة. مزاجية وعنيدة.عاشقة وحزينة. قوية وهشة أمام كل لحظات الألم والبؤس البشري، وضعف الكائنات .مبتهجة وخائفة لأن كل ذلك لا يدوم وبأنني مجرد عابرة على هذا الكون الشاسع.
- الكثير من الدراسات النقدية والأكاديمية التي تناولت أعمالك الشعرية هل استطاعت هذه الدراسات أن تلامس وتقارب حقيقة الشاعرة نصيرة ؟
لا أعرف حقيقة إن كانت الدراسات المنجزة حول شعري قد قاربت شيئا من حقيقتي الانسانية والجمالية.لكنني أهتم بها وأشكر جهود أصحابها في رؤية ما لا أستطيع رؤيته عني وعن الكتابة.
- غادة السمان في كتبها الجسد حقيبة سفر ، وأعلنت عليك الحب ورسائل غسان كنفاني كتلة من التمرد إلى أي حد صنع هذا التمرد الأديبة غادة السمان وهل فيك شيء من هذه الغادة؟
نعم غادة المرأة الأولى التي هزت كياني فكريا وأدبيا وانسانيا.وستظل شعلة قوية في روحي التي انتمت إليها وانا طفلة في 15 سنة.كان اكتشافها أجمل هدية لروحي وعقلي.
- ما هو حجم الأنا قي قصائدك ؟
.الشاعر بطبعه يرتكز على أناه الابداعية .ممتلئ بروحه وبتجاربه في تقاطعها بتجارب أخرى.القوة هي أن نبدأ منا لنحتضن الآخرين.
- ظهور موجة من الشباب واتجاههم لكتابة الرواية هل اضاف شيئا للرواية أم هو الركض خلف الشهرة في ظل وجود عدد من دور النشر تساهم في ذلك؟
توجه الكتاب الشباب إلى الرواية ربما بسبب جمالية هذا الفن وتفرده.ربما بسبب البحث المبكر عن الشهرة والمجد والجوائز.ربما لأن عصرنا عصر حروب وكوارث وهزائم واوبئة وفقر بامتياز ولا تستوعبه هذه المآسي الا الرواية.
- سليمى رحال فاطمة بن شعلال غنية سيد عثمان رشيدة خوازم أمال بشيري أسماء شعرية أضافت للقصيدة نوعا من الجمالية أين اختفت هذه الاسماء ؟ أم هي القناعة بلا جدوى الابداع ؟
- الشعر حالة حية متأرجحة بين الاشتعال والتوهج والشحوب والتواري والاختفاء.بين الكلام والصمت.بين المغامرة والركض والانسحاب والتراجع.يلمع حينا ويخبو حينا.لكن جمرته لن تنطفئ في الأعماق.نجمة الشعر تظل قريبة وبعيدة في الوقت نفسه.وروح الشاعر متمردة على الدوام ومنفلتة .تقبض على الكلمات حينا وحينا لا تدركها.لكنها تبقى مليئة بالشعر بأشكال ومظاهر أخرى.حين تسأل عن غياب الشاعرات الأقرب إلى القلب والروح سليمى ورشيدة وغنية وفاطمة أمال بشيري الجميلات كحضور في الحياة الأدبية أقول لك أنهن زاهدات وغير مهوسات بالأضواء والصخب والنجومية واللهاث وراء الشهرة والأمجاد والجوائز والاستعراض الوهمي لملكاتهن و مواهبهن وثقافتهن وخصوصية هؤلاء الشاعرات اللواتي كن استثناء في المشهد الشعري الجزائري.لم تنقطع صلتهن بالشعر والإبداع والكتابة .ولكنهن كن يعشن الشعر بطريقتهن الخاصة ويبتغين الجوهر لا القشور والعلاقات العابرة والمكاسب المادية.لأنهن حقيقيات وفنانات مميزات.
- مباشرة بعد التحاق الأديب أو الشاعر بالتدريس بالجامعة يخفت صوته وينشغل بالعمل الأكاديمي ألم يؤثر هذا عليك بخلاف زملائك من الأساتذة ؟
التزامي بوظيفتي سواء في الصحافة أو التعليم الجامعي لايعني انفصالي عن حقيقتي الأولى وهي الأدب والكتابة.العمل ضرورة لتأمين عيش كريم وحفظ الكرامة الانسانية.لو كان بيدي لانقطعت عن الوظيفة وتفرغت للكتابة والسفر ورعاية القطط والأشجار.
- مثلت الجزائر في عدة دول كالإمارات وقطر والعراق ولبنان وسوريا ومصر كيف ترين القصيدة العربية النسوية مقارنة بمثيلتها في الجزائر وماذا قدمت لك هذه التجربة ؟
من خلال مشاركاتي في مهرجانات ولقائي بشاعرات وقراءاتي أولا لتجارب كثيرة نسائية أرى أن هناك هواجس مشتركة ورؤى تتقاطع فيها الشاعرات أهمها هاجس الحرية والانتماء والإيمان بالكتابة باعتبارها الأداة الأرقى والعالم الأعمق لمواجهة الوجود وأسئلته وبؤسه وجماله وحرقته ونوره.الكتابة كملاذ وشغف لاينتهي للروح ولأنوثة العالم..
- هل سبق وأن تمردت عنك القصيدة ؟
كثيرا ماتركتني القصيدة.كثيرا ما تعبت في احتوائها وتعبت من شغفي.لكننا سرعان ما نضم بعضنا ونتوهج وننتصر.لم يتخل عني الشعر لأن روحي معجونة به.وجيناتي تفيض به.
- بعيدا عن الأدب والشعر ما الشيء الذي يحز في نفسك ؟
يحز في نفسي أن لايلتفت البشر إلى الجمال المترامي في الكون.أن لا يعززوا انسانيتهم بالفن .أن يعمر الشر طويلا كما يعمر الطغاة.أن يمةت الانسان فقرا وجوعا وعطشا وظلما.يحز في نفسي وفي قلبي أني حين أمد يدي تعود خائبة بدون يد أبي وأمي الحبيبين.
- أمنيتك التي لم تتحقق؟
أمنية لم تتحقق ..ربما أن يحصل كل طفل على كفايته من الحب والكتب والرعاية.أخيرا الشكر لك ولكل خطوة تخطوها في أرض الثقافة والأدب والإبداع