لقاء مع الشاعرة الجزائرية زهرة بلعالية
حين تتغنى الكلمات سابحة في فضاء سحري جميل ، ساعتها تدرك أن للغناء نكهته وأن للشعر تسابيحه في ثنايا الوجود وتدرك أيضا أن الشاعرة زهرة بلعالية إحدى الشاعرات اللواتي استطاعت أن تشكل اسما منحوتا على الصخر في ثنايا الشعر والجمال زهرة واحدة من اللواتي استطاعت أن تكتب القصيدة من نار ونور استطاعت أن تلحق أيضا في سماء الإبداع العربي راسمة بذلك أحلى قصائدها في لوحات تشكيلية جميلة دون إطالة إليكم الشاعرة في هذا البوح الجميل
حاورها : بن عزوز عقيل
# من هي زهرة بلعالية ؟؟
• طفلة لم تستطع سنوات العمر الهاربة ولا وثيقة الميلاد المزورة تغيير قناعتها بطفولة أبدية تمتد بين الدم والدمى ,, لتشكلها حكاية حب لا تنتهي ,,
تقول شهادة الميلاد التي لم أكن تعلمت القراءة بعد حين وقعها الآخرون نيابة عني ,, أنني من مواليد 27 . 04 . 1968م بقرية جبلية لا علاقة لها بالبحر تسمى الساحل ,,تابعة إداريا لولاية تيبازة الساحلية ,, و مسجلة في الوقت نفسه ببلدية تابعة لولاية البليدة ,, من يومها لم أصدق البلاغات الرسمية المتناقضة ,ولا التواريخ المشكوك بصحتها , واكتفيت بنص علقني على وريده طفلة يستوي عندها حبل الأرجوحة وحبل المشنقة ,,ببساطة عميقة وعمق بسيط ,, أنا ,أنا على رأي جحا ,, أحمل وجهي في ملامح طفلة هادئة حد الشقاوة وأحاول أن أحفظه بعيدا عن متناول الصغار الآخرين حتى لا يضيع مني لفرط الشبه بين كل أطفال العالم .
# زهرة من الأسماء التي لمعت في الجزائر ,, ماسر هدا التألق ؟؟
• لا أدري إن كان يصح أن نسأل النجمة لمادا تضيء ولا الزهرة لماذا يصل عطرها رئة الحقل ولا الطفلة كيف تنشر طيف الحلم في عالم كئيب ,, ولكنني أعتقد أن سر تألق المرء جوهره الفرد ,, وأننا خلقنا لنتألق أما رهاب الحياة الذي ندمنه فهو الشاذ والغريب ,,
كل السر أنني أتمسك بإنسانيتي في النص كما في الحياة بكل شوائبها لاأسعى لأن أكون ملاكا رحيما ولا أن أكون شيطانا رجيما ,, أتمسك بفطرة الروح الباحثة عن روحها في خيبة لا تخجل من طين أخطائها ,, ولا تيأس من قدرتها على تشكيل الطين قصيدة أو دمية أو سقف بيت لعابر وريد .
لا تختلف القصيدة كثيرا عن الحياة لذلك أعيش تفاصيلها حرفا حرفا وأحاول أن أقولني بوضوح للآخر .يأتي النص عندي فجأة ,يدخل المطبخ غير آبه بما قد يخلفه من حرائق مادية ومعنوية فكم من مرة أحرقت عشائي وأنا أحاول الاستماع لفكرة صاخبة تدور بين النار والدهشة ,بعض النصوص تركب معي الحافلة ,وتتسوق نيابة عني وحين أكتشف بعد عودتي للبيت أنني لم أقتن نصف ما خرجت لأجله من حاجيات يخرج النص مكتملا هادئا لا يشغله أمري أو أمر ما ينقصني .
# رغم ما يشوب النص الأدبي من الغموض والإبهام مازالت زهرة بلعالية تعتمد على اللغة البسيطة الجميلة مما زادها تألقا شعريا ,, ألم تؤثر فيك موجة الحداثة ؟
• أنا أكتب لروح الطفلة التي تسكنني ,,لروح مثلي متعبة من تعقيدات الحياة وغموض القادم ,وغرابة الواقع ,أدخل النص لعبة أستطيع تفكيكها وإعادة بنائها من جديد بمتعة ومحبة ,, وأعتبر الشعر بالتحديد رئة إضافية أتنفس من خلاله بشكل مريح ولا أجد له وظيفة أخرى غير الحفاظ على نقاء الهواء وبساطته ,,
لا أحب التعقيد في الكتابة كما لا أحبه في الحياة ,, والحداثة التي لا يفهمها بائع الفول في حينا لا تلزمني ,, ادا كان الشعر رسالة سامية كما يقول بعض المنظرين له ,, فأسمى رسالة جاءت بلسان مبين ,, لأن أصل الرسالة أن يفهمها مستقبلها . وان كان فن الروح فالروح ليست بحاجة لتعقيد وعقد جديدة .أما الدين يوغلون في الغرابة والإبهام بحجة الحداثة وما بعد الحداثة فلهم أن يكتبوا كما يشاءون لهم قراؤهم ولي قرائي .
# بعد هدا العناء الإبداعي ,مادا قدم لك الشعر ومادا أخد منك ؟
• قدم لي الكثير ,, وكان صديقي الذي يستمع لي بمحبة,, أفرغ في صدره كل وساوسي ومتاعبي وأبثه مخاوفي دون حرج أو تردد ,, قدم لي أصدقاء من ورد امتدت علاقتي بهم لأكثر من ربع قرن دون أن أشعر بمرور الوقت ولا مرارة الفقد ,, قدم لي زوجا طيبا ومثقفا رحمه الله ,, فقد تعرفت عليه في أسبوع ثقافي بتونس وكان الشعر مسك البداية ,, وان أعد نعم الشعر لا أحصيها ,,أما مادا أخد مني ؟؟فلا أعتقد أنه أخد مني غير ما أعطيته برضا وعن طيب نفس , عاش معي على الكفاف والعفاف ,, لم يطالبن بشيء ,, لا أستطيعه ولا دفعني لأدغال الحداثة بحثا عن غموض يرضي غروره فقط أسوأ ما يمر علي من آثار الكتابة أنني أمر قبلها بفترة كآبة لا أعرف لها سببا ,تجعلني أتأثر لأبسط كلمة, وتجرحني الوردة ,ولا أحب أن أرى فيها أحدا أو أسمع صوتا ,أصبح مملة فعلا وغير محتملة .رغم هدا ..أعترف أن شيطان شعري عاقل وطيب مثلي تماما .
# الكثير من الأصوات النسوية التي تألقت إبداعيا سرعان ما يخفت صوتها ,,إلى ما يعود هدا في نظرك ؟؟
• لا أعتقد أن الأمر خاص بالأسماء النسوية فقط ولا توجد للأسف دراسات متخصصة نستطيع النظر إلى الموضوع من خلال خطوطها البيانية ,هناك شعراء رجال أيضا انسحبوا من فضاء النص خيبة أو انتحارا أو يأسا وجنونا في كثير من الحالات .
هدا لا ينفي كون الأمر بالنسبة للمرأة واختفائها من كوكب الكتابة فجأة أكثر خصوصية بحكم حساسيتها الاجتماعية وذكورة الأحكام والقوانين أولا وثانيا بحكم قلة الأسماء النسوية الفاعلة في الساحة , فان اختفى منها اسم أثر دلك على خارطة الإبداع ككل .
هناك أسباب كثيرة حين يتعلق الأمر بمجتمع أعرج يحاول الجري برجل واحدة ,,
ومن أغرب الأسباب أن يتزوج الرجل شاعرة ثم يفرض عليها أن تنقطع عن الكتابة ,الكارثة أن يكون الزوج نفسه كاتبا .
وما يلفت الانتباه في قضية الأسماء النسوية هده أن تعامل الناقد نفسه يختلف من نص يكتبه رجل إلى نص تكتبه امرأة ,فيحاول أن يسقط على نصها قراءات رخوية ,تضعها في قالب الكائن الشفاف الرقيق الذي لا يخرج من عوالم العطر والحرير والحريم ,مع أن الواقع يثبت أن هدا الكائن ,, حمل السلاح وشارك في الثورة , وشكل حتى عصابات على مر العصور. مفهوم الكتابة نفسه في مجتمع يتقدم حبوا لمحو أميته الثقافية والاقتصادية والسياسية يجعل الساحة مسرحا للمتناقضات ,, ثم ادا نظرنا إلى فوضى الساحة الثقافية نفسها واختلاط الحابل بالنابل وطغيان أصوات غريبة من الجنسين لا علاقة لها بالشعر تجعل الانسحاب من الميدان ,,غنيمة لا هزيمة .
في رأيي أن الكتابة علامة أصلية في الإنسان والابتعاد عن النشر وعن منصات التواصل ,, والإعلام لا يعني بالضرورة الانقطاع الكلي عن الإبداع .
# من مدة لم نر لك منشورا إبداعيا : هل المشكل في زهرة أم في دور النشر أم في الوزارة أم في مادا ؟
• المشكل في كل هده الهيئات موجود ولا يمكن نفيه بأي شكل من الأشكال , فلا دور النشر تحتفي بالكتاب وتهيئ له مستلزمات الاستقبال من لجنة قراءة وعناية وتصحيح واهتمام ,, ولا الوزارة تخرج من قالبها السياسي لتهتم بروح الإبداع وتسطر برنامج كتاب يكون في مستوى تطلعات القارئ ,, والباحث ومستوى الوزارة كهيئة وطنية رسمية على حد سواء ,, منظومة الكتاب كلها تعاني من إهمال كبير رغم الإسهال المطبعي الذي تساهم فيه بمبالغ كان يمكن أن تجدد أسمال الثقافة لو اجتمعت النية الخيرة والثقافة النيرة .
لكن بالنسبة لي ,, المشكل الكبير في زهرة ,,لم أفكر مرة في الطبع ولا سعيت له ,, ولا يهمني كثيرا أن أنشر ,, مجموعاتي الثلاثة كلها جاءت بطلب وبدفع من الآخرين , آخرها كان بإلحاح من زوجي رحمه الله وأحسن إليه ,جمعت نصوصه دون حماس ولا رغبة إلا ارضاءا له , ولا أفكر في نشر الرابع إلا بمعجزة قد تحدث مع أنني مازلت على قيد الكتابة
# كيف تعامل معك النقد ,, ومادا قدم لك ؟
• في الحقيقة نصوصي محظوظة جدا مع النقاد ,, وقد اعتمدها كثير منهم في دراسات أكاديمية ,, مجمعين على أنها من النصوص الأدبية الجميلة في العالم العربي ,, و كانت موضوع رسائل تخرج كثيرة قام بها طلبة الجامعة , غير أن النقد لا يؤتي أكله كل حين كالشعر .,, هو فقط يكتفي بمنحك إشعارا أكاديميا يؤكد بقاءك على كوكب الحرف .
وبغرور الشاعرة أصر على أن الشعر هو الذي يقدم للنقد إكسير الحياة وماء الخلود وليس العكس .
# الكثير من الملتقيات الأدبية التي كانت الانطلاقة الحقيقية للمبدع نراها الآن قد اختفت ,, ما السبب في غياب هده الملتقيات ؟؟
• الملتقى الأدبي الحقيقي مؤسسة ثقافية قائمة بذاتها ,, تشم رائحة المبدع من أول نص وتكتشف آلياته الإبداعية وأحيانا تتابع مساره عبر مجلات خاصة كما حدث مع ملتقى الجلفة للإبداع الفني والأدبي وغيرها من الملتقيات الفاعلة ذات عمر ,,وقد مررنا جميعا من هده المدارس المفتوحة على الشعر والبحث والتعارف المعرفي ..مع مرور الوقت تحول الملتقى الأدبي إلى مجرد نشاط عابر تصرف فيه ميزانية قلت أو كثرت ,, ولا يهم ماذا يقدم فيه ولا ماذا سيقدم كنشاط للمؤسسة المشرفة عليه . في ظل هده الفوضى انسحبت الأصوات الجادة وحلت محلها أخرى لا يهمها من الأدب غير قلته ,, وعمت الفوضى حتى اقترن الشعر بالتفاهة وتولى الأمر أشخاص لا علاقة لهم بالإبداع ولا بهموم المبدع يديرون ملتقيات أقل ما يقال عنها مجالس لهو ,, وعبث ,, مع احترامي للهو حين لا يكون على حساب الآخرين .وملتقيات بلا هدف ولا برنامج ولا خط سير واضح غيابها أحسن من بقائها .
# هل ترين المؤسسات الثقافية والجمعيات إضافة للأدب والثقافة أم هي العائق الرئيس للإبداع والمبدعين ؟
• المؤسسة الثقافية سواء أكانت جمعية أو منتدى أو صالونا أو وزارة أو أي صيغة أخرى عليها أن تقوي من مناعتها الإبداعية وتعتمد سياسة استعجاليه لضمان بقائها على قيد الحضور ,,لأن ما نعيشه من غياب دور المؤسسات في النهضة بالثقافة لا يبشر بخير ,,ومن المنكر الشائع أن تجد على رأسها مسؤولا لا علاقة له بالثقافة ولا بالمسؤولية ,, فتجده يسئ لها من حيث يدري أو لا يدري لتصبح في النهاية مجرد هيكل لا يرتقي لقيمة الأطلال وهي في هده الحالة لا تضيف شيئا لنفسها فكيف تضيفه للمبدع ؟
أما المبدع فقدره أن يحمل مشعل فنه أي كان نوعه ويقطع مسافة العمر حريصا على أن لا ينطفئ ,,رغم الريح و الإهمال والحاجة أحيانا وكأن الواقع يحاسبه على حاسة “الحب ” التي تجعله يموت كمدا وفي روحه حلم يتقاسمه مع الطيور والفراشات .
# في الأخير ,,مادا تقولين لقراء الصالون الثقافي ؟
• لا أريد لحديثي مع قراء الصالون أن ينتهي فلماذا تمارس حق الفيتو في قمعي ؟؟عموما أشكر صبرهم وسعة صدرهم ,, وأتمنى أن أكون ضيفة خفيفة الظل جميلة الروح أما عن الصورة فتتحمل أنت وزرها ,, لأنك طلبتها .
وهدا ” شارع ” من نصوصي أقدمه ,, لقراء الصالون عربون لقاء ,,على أمل عبور آخر . شكرا لكم ,, وعلى المحبة نرتقي .
على شارع بارد ..
ضيعت ,,عطرها ,,
وبكى الطفل في صدرها ..
فقدت صبرها ,
طأطأت نبضها للشوارع بالجنب ,,
وافترشت ,, عمرها ,,
لامها شارع صالح ,,
اد رأى عهرها ,
أخرجت من غياباتها طفلة ,,
قصمت ” وردة ” ظهرها ,,
عذرها أنها ,,,
لم تقل عذرها ,,
صدها الشارع الصالح ,,
واصطفى ,,غيرها .
مع أخلص التحيات .