السارد المهيمن le narrateur dominant
والسارد المهيمنة la narratrice dominante
بقلم البروفيسور : نورالدين السد
السارد المهيمن شخصية وظيفية في بنية الخطاب لها خصوصيتها ، وهو مكون من مكونات الخطاب ، وظيفته ليست كباقي وظائف الشخصيات في الخطاب ، والسارد المهيمن لم يذكره السيميائي الفذ ( الجرداس جوليان عريماس ) في دراساته وبحوثه ، ولم يذكره في المعجم السيميائي الذي ألفه بالاشتراك مع ( كورتاس ) ، ولم يذكره الباحث والناقد ( فلادمير بروب ) الذي حدد وظائف الشخصيات في الحكاية الشعبية وحددها ب 31 وظيفة، وعدلها بعده غريماس، وقلص عددها ، والساردة المهيمن الذي أبادر باقتراحه واستعماله في المنظومة الآلية الإجرائية لتحليل الخطاب؛ هو شخصية تهيمن على جميع مكونات الخطاب ؛ مهما كان نوعه أو جنسه ، ومهما كان موضوعه أو مضمونه ، وكونه ساردا مهيمنا في الخطاب يمكن أن يؤدي الوظائف السردية التي يسندها إلى نفسه ، ويقوم بأدوار فنية وجمالية تضفي على الخطاب ما يجعل من تشكيله منسجما ومتسقا ومتناغما، والسارد المهيمن أي المتكلم داخل الخطاب والمهيمن على بنيته السردية ، قد يضاهي في أداء وظائفه في مسار الخطاب وظائف (الكاتب الضمني) ؛ الذي قال به ( ولفغانغ أيزر ) ، وحدد وظائفه وأدواره داخل الخطاب ، إن ( ولفغانغ أيزر ) يتحدث عن القارئ الكاتب، بينما أنا هنا أتحدث عن السارد المهيمن، وهو ليس (كاتبا ضمنيا) كما أشار إليه ( ولفغانغ إيزر) في كتابه : ( فعل القراءة ) دون توضح لوظيفته في بنية الخطاب. والسارد المهيمن ليس هو ( السارد العليم) الذي قال به جيرار جينيت، ولا ( الذات الفاعلة) الذي اجتهد في التأسيس له الفيلسوف محمد أركون في تحليل الخطاب القرآني، لأنه يتحدث عن الذات الفاعلة ودورها في تنظيم الخطاب نحويا وبلاغيا وأسلوبيا وإعجازيا وعلاماتيا، ويخرج به عن إطار الخطاب في ذاته لغة وتشكيلا إلى منشئ الخطاب وهو الله ؛ بينما حد السارد المهيمن في ما نذهب إليه؛ هو كائن لغوي ، وهو آلية إجرائية لتحليل مكونات الخطاب بأنواعه تحليلا أسلوبيا تأويليا، دون الخروج بالدراسة إلى تحليل أوضاع منشئ الخطاب وأحواله.
السارد المهيمن يكون حريصا على تحقيق خصوصية الخطاب، ومتفاعلا إلى أقصى التفاعل من أجل تحقيق وظيفة الهيمنة ، وهو لا يؤدي هذه الوظيفة بتجرد وحياد ، بل يتقمص دور السارد المنتج للخطاب، والباني للمعاني في الخطاب الإبداعي؛ وهو يتجلى بصيغ شتى حسب خصوصية كل خطاب وأسلوبه، فتارة هو منفصل، وتارة متصل، وتارة مستتر ، وتارة معلوم، وتارة مجهول ، وله حضوره الخفي والمتجلي، وله حركية المتابعة في بنية الخطاب ووظيفته ، وهو يسعى إلى بناء أسلوب له خصوصيته في الخطاب، ويعمل على إنتاج معان لم يدركها منتج سواه ، وهو يقول الخطاب ملفوظا ومكتوبا ، ويستبق القراء إلى قول ما يتوقع منهم قوله ؛ قبل ممارسة قراءاتهم ، وإنتاج معانيهم ، وكأنه راغب في سرد خطاب لم ولن يقله سارد سواه، أو كتابة خطاب لم يكتبه كاتب من قبل أو من بعد ، فإن كان على مستوى الرواية؛ فهو يتطلع إلى كتابة خطاب سردي هو المهيمن فيه، والقول السردي والقول الشعري عنده سيان ، فهو موجود في كل خطاب، وهو التعارف بالأنساق الثقافية المعلنة والمضمرة ،لأنه نتاج قيم ثقافية متنوعة بين المؤسسية والهامشية.
السارد المهيمن يتطلع باستمرار إلى امتلاك جوامع الكلم ، وهذه سمته وسمة تحديه ، ومن اتسم إبداعه بحضور السارد المهيمن فيه؛ لا يستسيغ مهادنة المسرود العادي ، ولا يرضى بغير التميز الإبداعي ، ولن يقبل بغير التجاوز لما أبدع ، لأنه يسعى إلى الخروج من التنميط والمعيارية والتجميد ، فيؤسلب خطابه بالتجاوز لمحدودية ما اعتادت اللغة جره إليه ، ويتخطي قولبة أساليب الأداء السردي والشعري الرسمي والشعبي ،والمركزي والماهشي، في متنه الإبداعي حتى يكون رائدا فيه، ويكون أسلوبه دالا عليه، ومخبرا عن ريادتها فيه.
السارد المهيمن الذي أشير إليه هنا هو سارد ضمن الخطاب وليس خارجه ، وهو اللافظ والمتكلم والقائل والمخاطب بكسر الطاء داخل الخطاب ، وهو الفاعل والقائم بالأحداث والمعبر عن أحواله النفسية والوجدانية والمعبر عن مواقفه في معظم الأوضاع ، وهو الآمر والناهي ، والمستفهم، والمنادي، والشارط ، والواصف وهو الباني للمسارات والبرامج السردية ، وهو في بعض المحفز والمساعد والمعارض والمرسل والمرسل إليه، وهو المبئر والضمير المنفصل، والضمير المتصل، والضمير المستتر ،وهو المتجلي والخفي؛ يتمظهر بصور وأحوال حسب المقامات ، وفي كل الأحوال لايكون السارد المهيمن إلا ضمن الخطاب وليس خارجه ، بمعنى أن السارد المهيمن ليس الروائي وليس الشاعر أو القاص أو المسرحي أو السينمائي أو الرسام أو المصور أو المؤرخ ، فمثلا السارد المهيمن في معلقة عنترة بن شداد العبسي ليس الشاعر الحقيقي بل هو مكون أساسي من مكونات الخطاب الشعري في المعلقة وهو المستفهم في مطلع القصيدة :
هل غادر الشعراء من متردم !؟
أم هل عرفت الدار بعد توهم !؟
والمستفهم بأداة الاستفهام ( هل ) هو السارد المهيمن من بد القصيدة إلى آخرها ، وهو المنادي في البيت الموالي :
يا دار عبلة بالجواء تكلمي
وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
وهو الآمر الملح على الدار ، دار عبلة بالتكلم ، من خلال توظيفه فعل الأمر ( تكلمي ) ، وهو المسلم والمحيي ( عمي صباحا ) ( واسلمي ) وهكذا إلى آخر القصيدة ،
والسارد المهيمن هو الآمر في مطلع معلقة أمرئ القيس : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
ففعل الأمر ( قفا ) متضمن الآمر وهو السارد المهيمن ، والحدث المقرون بالزمن ، والمأموران المعبر عنهما بألف التثنية أي المسرود لهما ، ثم واصل حديثه عن سبب الأمر بالوقوف وهو البكاء من ذكرى الحبيب المفارق والمنزل الدارس الحامل لصور الذكرى والأيام الخوالي ،
السارد المهمن في معلقة لبيد بن ربيعة اليشكري هو المتكلم الواصف وهو المخبر بأوضاع الديار وأحوالها، وما آلت إليه بعد رحيل أهلها و الذين أقاموا فيها وملؤوها حياة