قصة قصيرة :خطأ فى الوجهـــــــة
الكاتبة تركية لوصيف /الجزائر
يضع باقة الورد فى المزهرية المشروخة ،كانت الآنية من بقايا زوجته التى رحلت دون أن يحظى منها بمراسيم وداع تليق بهما ، تناثرت أوراق الورود التى تسلمها فى حفلة صغيرة محدودة الدقائق
شكرا لأنك قضيت فترة طويلة وأنت تعمل بجد فى وظيفة ساعى البريد
دقات على الباب ليتسلم ظرفا من ساعى البريد وكان شاب بمقتبل العمر ،دعاه للدخول و قدم له فنجان قهوة
كان الشاب يتفحص العجوز بدرى وهو يلامس المزهرية برفق ويرتشف قهوته ،،
انصحك بشراء آنية تضع بها باقة الورد ،وحوّل نظره للشاب يرقب ردة فعله
الشاب لا يزال صامتا،فانفجر العجوز ضاحكا
قد تقول ماذا يقول هذا العجوز ولكن لاعليك
افتح الظرف واقرا المضمون
كانت دعوة لحضور لقاء قد يدوم أسبوعا مع الأصدقاء القدامى فى فندق شهد مشاكساتهم وعلاقاتهم بالنسوة اللواتى كن يترددن على هذه القرية الصغيرة التى تنفس فيها بدرى والتقى زوجته التى قبلته زوجا بباقة ورد وخاتم بسيط
أدار الأرقام، فرن الهاتف الثابت ورد عون الإستقبال
غرفتك محجوزة سيدى ،ننتظر قدومك.
كم عدد الاصدقاء الذين أعرفهم ؟
هم ثلاثة ياسيدى ..
ثلاثة أصدقاء لا يزالون على قيد الحياة وبدرى رابعهم
ينصرف ساعى البريد الشاب بعدما أحكم قبضة يده على العجوز مصافحاوشاكرا له لذة القهوة
حمام ساخن ،واستخرج من خزانته بدلة عرسه التى بقيت فى حالة جيدة ،حاول عقد ربطة العنق ولكنه لم يفلح فرماها جانبا ،وخرج للشارع الكبير ،اوقف سيارة اجرة وتفاوض مع السائق فى الأجرة
إنها مسافة سبع ساعات وأريد أن أستقلها بمفردى ،لا أريد الإنصات لمزيد من حكايا الركاب التى يبدعونها وهم على الكرسى الخلفى
انتظرنى فى ذلك المقهى حتى أزود السيارة بالوقود ،قلت مسافة سبع ساعات وسنصل إلى القرية وقت المغيب وعليك باقتناء بعض المشتريات ،فطائر وعبوات الماء
الطريق لاتزال ضيقة وصعبة لكثرة المنعرجات ،أصبت بالدوار والغثيان ،طلبت من السائق التوقف حتى افرغ ما فى جوفى
قال السائق وأنا أيضا ينتابنى الشعور ذاته ،الدوار والغثيان،علينا بالراحة قليلا، السائق وجدها فرصة للفضفضة وهو يتأمل الوجه المتعب للرجل ولكن لم تعود لمثل هذا المكان الذى هجره ساكنوه منذ عشرية دامية ؟
لى أصدقاء ينتظروننى فى الفندق الصغير ،الهواء نقى ،كنت أتردد على هذا المكان فى شبابى والتقيت زوجتى وكانت من دولة أخرى وعلمتها لغتى فتحدثتها وكتبتها ،كانت كاتبة وتسجل الأحداث السعيدة فقط وتتجاهل الحزين منها وأوراقها محفوظة ولم تطبع بعد ولكن سأطبعها إكراما لرحيلها
تتوقف شاحنة صغيرة ،البائع ينادى الشخصين ،خذا منى بطيختين ،المسلك خال من السالكين وكأن القرية التى هناك مهجورة ،صحت لساعات ولم أر أحدا ..
الشيخ وقد اعتلى وجهه الشحوب ،كيف تلقيت الإتصال وكيف علموا بتقاعدى ذلك اليوم ،أشك فى الدعوة التى تلقيت ،ربما فخ،لنغادر المكان حالا..
انطلقت الشاحنة الصغيرة متبوعة بسيارة الأجرة ،كانت الشاحنة تسير ببطء واضح ولم يتمكن السائق من تجاوزها نظرا لضيق المسلك الوعر،العجوز يعدل عن قراره،ويطلب من السائق دخول القرية والدفع له بسخاء،السائق يوافق ويقوم بمناورة يستعرض فيها مهاراته فى السياقة ويلقى الثناء من العجوز
_هل سابقت السيارات من قبل ،لا تقل انك مجازف ،هذا ما ينقصنى ليتوقف نبضى ..
السائق لا يهتم لكلام العجوز مادام الدفع سيكون بسخاء..
ملامح شخص مربوط إلى جذع شجرة تنتهى عند منحدر مرتفع ، أنين وبكاء ويبدو الصوت لفتاة شابة ،ترجلا واقتربا من المكان ،كانت على وشك السقوط ومنهارة وتتشبث برباط محكم على يديها الناعمتين وآثار السوط على كتفيها،السائق فتح فاهه لهول المشهد واصفر وجهه ،العجوز قام بقراءة سريعة لمرافقه وقال :أنت أجبن شخص على وجه الأرض ،لننقذها ،اتبعنى.. ..
البنت وقد جف دمعها من مقلتيها تلمح بصيص الأمل لحياة باقية ،يسحبها منقذها ويعتذر لها لأن الإنقاذ تم بقسوة ،
البنت ترتمى فى حضن العجوز ويمنحها دقيقة للبكاء ثم يسألها عن خطبها فترد أنها أخطأت الجهة وهى باحثة وقد سرقت سيارتها وعنفت من طرف شخص ملثم صوته أجش ولكنها بخير
يسألها مجددا ،هل مرت من أمامك شاحنة صاحبها يبيع البطيخ؟
ترد بالإيجاب وتحدد مواصفاته ،ولكنه لم يقترب منها بل فرّ هاربا منها ولم يقدم لها المساعدة،ولكن هل بائع البطيخ أخطأ أيضا فى الوجهة ولا توجد علامة تدل على أننا فى الوجهة الخطأ
القرية لا تزال بعيدة هكذا ردد العجوز والفندق يقع خارج القرية ويتوسط الجنان الخضراء وكنت ساعى بريد وعملت لسنتين وكنت أنقل الرسائل للنزلاء ومن بينهم كانت زوجتى مليسا التى لم تنجب منى واحترمت قرارها وهجرت البيت لشجار دب بيننا ثم سمعت أنها سافرت لبلدها وماتت هناك
حل الظلام واقترب الثلاثة من مدخل الفندق منهكين والهدوء يخيم على المكان ولم يكن عون إلإستقبال بمكان عمله والساعة الحائطية تشير إلى الثالثة فجرا ..
نام الثلاثة على الأرئك المعدة لإستقبال النزلاء ويدخل العون ويوقظهم ويقدم لهم قهوة والإبتسامة لا تفارق وجهه، العون وهو يرتب مفاتيح الغرف : تأخرتم كثيرا والجماعة غادروا ويظهر أنك أسست عائلة رائعة من بعدها
العجوز : من تقصد ؟
من الجماعة ؟
العون : كانت العجوز مليسا هنا وانتظرتك ثم غادرت حزينة ، كانت برفقة آنسة جميلة وكانت تناديها أمى
العجوز ولكن مليسا متوفية منذ ثلاثين سنة أو أكثر ، أين هى غرفتها ؟
يرافق العون ويدخله الغرفة ويعثر على صورة العجوز مليسا تعانق ابنتها ، يغادر الثلاثة الفندق ويلتقون
..ببائع البطيخ فيخبر العجوز أن السيارة مرت من نفس الإتجاه ، ساعتان هى مسافة السير وتلمح الباحثة سيارتها وتشير إليها وهى باكية صارخة : هذه سيارتى ..
السائق يتلقى الأمر بالإسراع وإيقاف السيارة فكان له ما أراد مناورة صفقت لها الباحثة كثيرا وسرّ لهذا السائق
توقف الزمن فى هذه اللحظات ، مليسا على قيد الحياة وابنتها معها وصارت ثلاثينية ، بدرى أحضر فى الحين دفتر الماضى ، أحببتنى أليس كذلك ، ثم هجرتنى ، ورفضت الإنجاب منى ثم اختفيت وأعلن رفيقك خبر موتك فى بلدك ، وأنت حية ترزقين فى حضن آخر
الخيانة أثمرت بنتا جميلة مثل أمها
تترجل العجوز مليسا بضع خطوات تجعلها وجها لوجه مع العجوز بدرى
أنت من أقدم على خيانتى مع رفيقتى ذات يوم وكانت حاملا وأنا كنت حاملا أيضا وماتت رفيقتى ودعوت ابنتها حتى ترى والدها وترى أختها وحتى ترانى لأخبرها أن أمها كانت خائنة وأنها ثمرة الخيانة
وأين هى ابنتى الأخرى ؟
هاهى أمامك ، صارت باحثة ووجهت لها دعوة كما دعوتك أيضا لهذا اللقاء المقرف ، كم غرفة اقتحمتها وأنت تقدم الرسائل للنزيلات ؟
السائق منهدش من غراميات العجوز ويهز رأسة لدرجة السخرية ، ساعى البريد أوفر حظا منى فى استمالة النساء
العجوز : إخرس
ثم لطمه ..
يركب السائق سيارته وينادى الباحثة : هل تأتين معى أم تقلين سيارتك مع أبيك المقرف وزوجته المقرفة وأختك البليدة التى تظهر عدائتها لك فى نظراتها ..
سأستعيد سيارتى منهما ونقوم بسباق
يظهر السائق موافقته ويتابدلان إلإبتسامة
تقترب الباحثة من الآنسة وتستعيد مفتاح السيارة وينطلق السباق بينما يبقى العجوزان يتقاذفان تهم الخيانة