تنويه : الحوار نشر في جريدة الخبر ونظرا لأهميته إرتأينا إعادة نشره في موقع الصالون الثقافي للاستفادة وتعميم الفائدة |
الشاعر والناقد مشري بن خليفة ل ” الخبر ”
شعرية الثمانينيات تم إقصاؤها على الرغم من أنها أخرجت الشعر من نفق الأيديولوجية .
حاوره : حميد عبد القادر
السؤال الأول : نبدأ من عنوان الكتاب ” سلطة النص ” ، تجدني أستغرب بدوري عنوان الكتاب ، يتحدث عن النص و عن سلطته، أليس النص تحرر وليس سلطة ؟
لا تستغرب هذا الطرح الذي جاء في سياق معرفي ونقدي مختلف ، حيث كانت المعرفة النقدية السائدة تركز في مقاربتها للنص على محيطه وبالخصوص على منتج هذا العمل الأدبي ، لكن المناهج النسقية وخاصة البنيوية غيرت رؤية التعامل وطرحت مفهوما جديدا ، وحولت مفهوم العمل الأدبي المرتبط بالوظيفية وبعيدا عن الجمالية إلى مقاربة منهجية صارمة تبحث في بنية النص وخصائصه الفنية، لأن المنهج البنيوي الذي وصلنا متأخرا في منتصف الثمانينيات ، جعلنا ندرك أن النص يطرح إشكالية كيفية تلقيه وقراءته، بعيدا عن سلطة منتجه ، ومن ثم طرح بارت مفهوم موت المؤلف ليعلي من قيمة النص وسلطته ، وعليه فرض المفهوم الحديث للنص على المتلقي شروطا جديدة في التعامل مع النص و الكشف عن بنيته ونظامه الخاص وجمالياته وبعد ذلك القيام بتأويله ، لقد استهوتني هذه المقاربة النصية في منتصف الثمانينيات والتي فرضت نفسها في الدراسات النقدية المعاصرة ، وفي هذه المرحلة كنت مهووسا بالحداثة سواء على المستوى الإبداعي الشعري حيث كنت رفقة مجموعة من الشعراء الأصدقاء منهم على الخصوص لخضر فلوس وعاشور فني وعمار مرياش وعياش يحياوي وعزالدين ميهوبي ،كنا نبحث عن نص شعري مغاير ومختلف عن شعرية السبعينيات ، أو على المستوى الممارسة النقدية التي كنت ابحث فيها عن منهج نقدي يمكنني من قراءة النص بعيدا عن سلطة المؤلف وتأثيره المعنوي على الناقد ومقاربته ، فوجدت في البنيوية ضالتي التي كنت أبحث عنها ، ومن ثم درست النص من هذا المنظور الجديد ، بوصفه نظاما دلاليا ولفظيا وتركيبيا وبنية مغلقة ، وبهذا أصبح النص سلطة يفرض وجوده على القارئ والناقد وفق مرجعيته الأدبية التي أساسها اللغة بانتظامها ودلالاتها على مستوى أنساق العلاقات داخل بنية النص ، وعليه يتخلى المتلقي تماما عن خارج النص وحياة المؤلف والواقع .
السؤال الثاني : هل سلطة النص تعني نهاية ” سلطة الكاتب ” ؟
ليس بالضرورة ، فسلطة النص تلغي سلطة الكاتب أثناء المقاربة النصية فقط ، ولا يمكن استبعاد المؤلف استبعادا كليا ، لأن السعي باتجاه النص يحتم على المتلقي أن يكتشف طبيعة هذه البنية ومستوياتها ودلالاتها المختلفة عند كل قراءة جديدة .
إن مقولة بارت عن موت المؤلف ، القصد منها أن يكون النص فضاء مفتوحا ولا نهائي في قراءته وتأويله ودلالاته الكامنة فيه ، لذا يرى بارت أن النص انطلاقا من هذه المقولة ، يظهر على جميع مستوياته وجميع أدواته ، ومنذ تأليفه وصناعته وتسويقه وإلى قراءته ، يظهر بشكل يغيب فيه المؤلف غيابا قصريا ، وهذا يعني ” لا شئ خارج النص ” على حد تعبير جاك ديريدا ، وهي تؤكد أيضا في جوهرها على مركزية اللغة ، لأن اللغة في النص هي التي تتحدث وليس المؤلف ، ومن ثم نجد بارت يركز على ضرورة الفصل النهائي بين الذات والنص ، وذلك منعا للالتباس الذي قد يحدث عند مقاربته ، إذن مقولة موت المؤلف وسلطته مرتبطة عضويا بميلاد القارئ وسلطة النص الذي يقاربه .
السؤال الثالث : تتحدث في مقدمة الكتاب عن تأثركم بالمنهج البنيوي في الثمانينيات وكتاب ” لذة النص ” ، لماذا تخليتم عن هذا المنهج ؟
صحيح تأثرت في مرحلة الثمانينيات بالمنهج البنيوي ، لأنني كما أشرت سابقا إلى عدم اقتناعي بالمناهج السياقية التي كانت مهيمنة حينئذ ، وكنت أبحث عن منهج مغاير و حداثي يتماشى ومتغيرات الواقع والمشهد الأدبي المعاصر ، لقد استهوتني البنيوية وكنت من الأوائل الذين بشروا بها ، وقاربت العديد من النصوص بها سواء الشعرية أو السردية ، ثم بعد ذلك تبين لي من الضروري أن أقرأ النصوص من منهج بنيوي تكويني بعد أن تعرفت على لوكاتش وغولدمان ومنهجه في القراءة والتحليل ، وبعدها أدركت أن النص لايمكن التعامل معه بوصفه بنية مغلقة ، وإنما من الضروري أن يكون مفتوحا على قراءات عدة تسبر أغواره ، و من ثم فالنص يحتاج إلى أكثر من مقاربة ومنهج ، لذا فإنني حاليا في مراجعة للمناهج النسقية التي تحولت عند البعض إلى آليات صماء ولا اجتهاد فيها وأصبحت محنطة، لأن النقاد العرب لم يدركوا أن هذه المناهج تحتاج إلى معرفة بأصولها ومرجعياتها وفلسفتها وأدواتها الإجرائية ،وأنا بصراحة أساند صرخة تودوروف ” الأدب في خطر ” .
السؤال الرابع : سارت دراسات النص الشعري العربي وفق قراءات تختلف باختلاف التأثيرات الغربية ، ماهو واقع هذه الدراسات اليوم ؟
نعم ، استفادت الدراسات النقدية العربية المعاصرة من التحولات الحاصلة في الثقافة العربية ، بفعل تأثيرات الثقافة الغربية المعاصرة، وذلك في إطار المثاقفة والعولمة، ومن ثم هاجرت المناهج النقدية الغربية النسقية إلى النقد العربي المعاصر ،و تبنى النقاد العرب كل النظريات النقدية الغربية ، وتم تطبيقها على النص العربي الذي له خصوصية لم يراعيها النقاد العرب ،لذا كان الناقد العربي مجرد ناقل ،ولم يكن مبدعا ولا منتجا لهذه المناهج ،إن دراسات النص الشعري العربي أخضعت النص الشعري العربي لعديد المناهج النسقية ،من أسلوبيات وبنيويات و التفكيك والسيميائيات والسرديات ونظريات القراءة ” التلقي والتأويل ” وتحليل الخطاب والنقد النسوي والنقد الثقافي ، هذه مناهج تعج بها الدراسات النقدية التي تدرس الشعر العربي،لكن الملاحظ على الكثير من هذه الدراسات أنها لم تحقق الهدف المنشود منها ، صحيح هناك دراسات عميقة وحاولت أن تستفيد من هذه المناهج وفق شروط جديدة، واستطاعت أن تقرأ الشعر العربي من منظور جديد ، يتحكم في هذه المناهج ويكشف عن جمالية هذه النصوص ويقدم الإضافة عند القراءة .
السؤال الخامس : طرحت في الكتاب سؤالا شائكا هو ” شعرنا إلى أين ؟” ،ما جدوى طرح هذا السؤال ؟
صحيح هذا السؤال إشكالي ، والإجابة عنه تتطلب قراءة نقدية لواقع الشعر العربي ، ودراسة هذا الشعر مرهونة بالبحث عن خصائصه ومرجعياته ورؤيته ومفهومه والممارسات النصية ، هذا السؤال الشائك كما وصفته طرحته في نهاية مرحلة الثمانينيات ، كنت درست فيه شعرية السبعينيات وأوضحت خصائصها خاصة من حيث التشكيل اللغوي الشعري بداية ودلالاته في بنية النص ،ثم تطرقت إلى كل العناصر الأخرى كالصورة الشعرية وتوظيف الأسطورة والأساطير الشعبية والشخصيات الأسطورية والوطنية والقومية والإنسانية ، لأن هذا الكل الفني يدخل في مفهوم التشكيل الشعري ، ومن ثم مفهوم الشعر الحديث ، على اعتبار أن الشعر الحديث هو رؤيا تتخطى وتتجاوز السائد ، و تستدعي تجربة عميقة, وعليه لا يمكن بناء شعرية حديثة لا تستند إلى مفهوم حداثي للشعر ، اعتقادي أن شعرية السبعينيات أنجزت ما عليها وقدمت لنا شعرية هي جزء من مرحلة شهدت تحولات على جميع المستويات وكان لها الأثر في هذه الشعرية ، ويكفي شعراء السبعينيات أنهم أحدثوا تحولا في الممارسات النصية الشعرية ، وعليه طرحت هذا السؤال من أجل البحث عن مسار مغاير وجديد للشعر في الجزائر .
السؤال السادس : حين ارتبط الشعر الجزائري بالإيديولوجية عرف انتشارا كبيرا ، وبمجرد أن تخلى عنها عرف تراجعا فظيعا ، رغم بروز أسماء كبيرة ” عثمان لوصيف ، لخضر بركة ، الأخضر فلوس ” لماذا عرفنا هذه الظاهرة ؟
أريد بداية أن أشير إلى مسألة في غاية الأهمية ، وهي أن شعرية الثمانينيات تم إقصاؤها على الرغم من أهميتها ، لأنها أحدثت التحول الحداثي في الشعر الجزائري ، وأخرجت الشعر من نفق الإيديولوجية والتسييس والواقع ، واتجهت بالشعر إلى فضاء الرؤيا و التجربة ، فهذا الجيل الشعري أسس لنص شعري مغاير ومختلف عن النص السبعيني ، حيث طرح هؤلاء الشعراء أسئلة جوهرية وعميقة في كيفية الخروج بنص شعري له خصوصيته ومن ثم انفتح هذا النص عندهم على آفاق جديدة سواء على مستوى الرؤيا والتجربة أو التشكيل الشعري ، لذا أنبنى نصهم على الاختلاف ،والقارئ لتجارب هؤلاء الشعراء ” عثمان لوصيف ، لخضر فلوس ، عاشور فني ، مشري بن خليفة ، علي ملاحي ، فاتح علاق ، عياش يحياوي ، بوزيد حرزالله ، عزالدين ميهوبي ، محمد علي سعيد ، عبد القادر عميش ، ناصر اسطنبول ، عبد الله العشي ، حسين زيدان ، ميلود خيزار، عبد الله بوخالفة ، عبد القادر مكاريا ، مصطفى دحية ، أحمد عبد الكريم ، عبد الكريم قذيفة ،عبد القادر رابحي ، جيلالي نجاري ، عقاب بلخير ، عزوز عقيل ، يوسف شقرة ، ونورالدين درويش ، محمد شايطة ، يوسف وغليسي ، ناصر لوحيشي ، عيسى لحيلح ، وغيرهم كثير ” ،
سيجد أن شعرية هؤلاء الشعراء الذين ذكرتهم على سبيل المثال لا الحصر ، أحدثوا نقلة في المفهوم الشعري والمرجعية والرؤية وفي الممارسات النصية ،صحيح أن هذا الجيل كأن ضحية مرحلة ، ولم يجد الرواج كما ذكرت ، لكنه جيل استطاع أن يحدث التغيير في طبيعة النص الشعري وينخرط في تجربة الحداثة ، ويصمد في الواقع ، ويقدم الأفضل شعريا ودواوينهم شاهدة على ذلك ، صحيح هناك من تأخر في نشر شعره لأن النشر في فترة الثمانينيات كان غير متاح للجميع ماعدا الجرائد التي كانت تنشر الشعر في ملاحقها الثقافية .
وينبغي التوكيد على أن شعرية الثمانينيات هي التي حررت الشعر الجزائري المعاصر من سطوة الإيديولوجية ، وجعلته يتجه باحثا عن آفاق أخرى ويؤسس لاتجاهات مختلفة ، تعبر عن الواقع الجديد المتغير الذي كان يعيشه هؤلاء الشعراء من ضياع وغربة والبحث عن الذات والرجوع إليها ، ولكن دون الانغلاق على نفسها ، والتعبير عن التحولات التي بدأت بعد انتهاء المرحلة البومدينية ،فكان النص الشعري في هذه المرحلة يشهد تحولات ومسارا جديدا منفتح على تجارب عربية مختلفة ، منها خاصة تجربة شعراء الجنوب اللبناني “محمد علي شمس الدين ، شوقي بزيغ ، محمد العبد ، وأنسي الحاج ، شوقي أبي شقراء ، محمد الماغوط ، أمل دنقل ، محمد عفيفي مطر
وتجارب أخرى إنسانية غربية وأمريكولاتينية وهذا الثراء المعرفي والشعري ، هو الذي جعل شعرية الثمانينيات شعرية ثرية وراقية وتحتاج إلى دراسة عميقة.
السؤال السابع : في نفس السياق ، نجدك تتحدث في الكتاب عن الشعر العربي والأزمة ، هل النص الشعري العربي مرتبط بها ، وبعدها لا يوجد شئ ، مما يؤدي بنا إلى القول أن العرب يكتبون بالعاطفة لتأمل الأزمة ، ثم سرعان ما ينسون كل شئ ؟
لقد طرحت السؤال في سياق تاريخي ومعرفي ، هل صحيح أن الشعر العربي في أزمة ولا شيء بعد ذلك ؟ هناك اعتراف عربي في العصر الحديث ، أن هزيمة حزيران 1967 كانت البداية الحقيقية لأزمة العقل العربي في العصر الحديث ، وعندما نقرأ أدبيات هذه المرحلة وما بعدها سنجد أنها لا تقرأ الواقع ولا تنتقده ولا تطرح بديلا ، ولكن بالمقابل نجد عديد النقاد يؤكدون على أن الشعر العربي يعيش أزمة بعد هزيمة حزيران 1967 ، من بينهم الشاعر اللبناني يوسف الخال ، الذي يرى أن الشعر العربي شهد انحسارا لأن النكسة كانت هزة قوية جدا ،وكذلك عبد العزيز المقالح طرح نفس السؤال في كتابه ” أزمة القصيدة العربية ، مشروع تساؤل ” ، حيث ربط المقالح هذه الأزمة بأزمة الثقافة العربية التي تواجه حياتنا بكل أبعادها الثقافية والاجتماعية والسياسية ومن ثم فهو يعتقد أن القصيدة العربية بمختلف أشكالها تمر بأزمة حقيقية ، وللأزمة أكثر من صورة وأكثر من وجه ، وهي بالنسبة له ليست أزمة إبداع ولا أزمة تحديث بقدر ماهي أزمة صراع عميق تغيب ملامحه حينا وتتجلى حينا ،والحقيقة لقد أثرت النكسة في مسار الشعر العربي بشكل أو بآخر ،ومن وجهة نظري ناقشت النقاد العرب الذين كانوا يؤكدون على أن الشعر العربي يعيش أزمة ، لذا كان ردي مبني على ضرورة تقديم أدلة على ذلك ،مؤكد أن الشعر العربي عاش الصدمة إلا أنه شهد تحولا ، و نلحظ هذا التحول في بروز عناصر جديدة منها على الخصوص انكسار الذات ، وقد أدى هذا إلى ظهور كتابة جديدة ناقمة على الوضع ، وهذه الكتابة هي مزيج من الغنائية والدرامية ، وظهور أشكال جديدة شعرية ، ولجأ الشعراء إلى التجريب والرمز وتوظيف الأسطورة، قد يمر الشعر بفترة ركود أو كساد ،وقد يمر أيضا بأزمة وهذا شئ طبيعي .
السؤال الثامن : بعد أن انتقلت القصيدة إلى قصيدة النثر ،لماذا انتقل الكتاب العرب إلى الرواية ؟
يبدو أن السؤال يركز على انتقال الشعراء إلى كتابة الرواية ،أرى أن انتقال الشعراء من صنعة الشعر إلى فتنة الرواية ، أو الجمع بين الكتابتين قد يرجع إلى رغبة دفينة عن الشعراء في اقتحام المجهول ، والتجريب على مستوى فعل الكتابة ، فالروائي هو أيضا دخل مرحلة جديدة في الكتابة السردية تتصف بالتعدد والاختلاف ، حيث أصبح يعتمد في كتابته على تداخل الأجناس الأدبية ، ومن ثم أصبح يكتب الرواية بلغة شعرية ، ويعتمد الشعر في سياق سرده ، وهذا الانتقال في اعتقادي يكشف أن شروط الكتابة بالرغم أنها متعددة ومختلفة ، لكنها متاحة للمبدعين خاصة إذا أبانوا عن مقدرة في الانتقال من حقل إلى آخر ، زد على ذلك يبدو لي أنه لا حدود في الإبداع ، وكل هذه المحاولات هي ثراء للخطاب السردي العربي عموما والجزائري خصوصا ، المهم في هذا الانتقال أن يكون الكاتب متمكنا من أدواته ومدركا لطبيعة السرد وبنائه ، على اعتبار أن الرواية لها خصوصيتها السردية ، وبحكم أن الرواية مرتبطة بالمدينية ، فإن الشعر أيضا مرتبط بالإنسان ، ومادام مدار الشعر والرواية هو الإنسان ، فإنهما يغرفان من منبع واحد ، وعليه فالشعر لن يشهد اضمحلالا أبدا ولا ينتهي ، على الرغم أن بعض النقاد يرون أن الرواية أصبحت هي ديوان العصر ، وهذه المقولة بها شطط ، لأنني أؤمن أن الكتابة مهما يكن نوعها هي إضافة نوعية للثقافة الإنسانية .
أعتقد أن تداخل الأجناس والعبور الحاصل في الكتابات المعاصرة ، هو تعبير عن روح العصر وتحولاته ، وقد أدى هذا بالكتاب إلى التفاعل الإبداعي وتوظيف كل الفنون في الكتابة السردية ، وهذا يكشف على أن الرواية تحتاج إلى أكثر من أسلوب ، حيث نجد الشعر والمسرح و السينما والفن التشكيلي والموسيقى والفن المعماري والهندسة والأمثال والرسائل وغيرها من الأشكال التعبيرية ، والشاعر في ظني يدفعه الحنين إلى الحكي والسرد ، ومن الضروري أن يكون مزودا بمعارف عدة باعتباره مبدعا معاصرا لأن السرد أصبح عولميا ومتعدد المعارف والثقافات .
السؤال التاسع : هل لتيار الحداثة الجارف دورا في هذا الانتقال ؟
أكيد للحداثة دور وكذلك لما بعد الحداثة ،لأن رواية الحداثة تتميز بأنها تبنى على نظام واضح المعالم وأكثر صرامة ، فهو نظام يخضع إلى تقاليد ومرجعية في الكتابة ، أما رواية ما بعد الحداثة فهي تتسم بالفوضى الخلاقة في البناء السردي ، ومن ثم فإن رواية ما بعد الحداثة نجدها تفتقد إلى الحبكة في السرد ، وتعتمد على التعدد في الحبكات ، هذه الرواية خصوصيتها أنها تصنع نفسها من المتعدد والمختلف ، لذا جعلت الروائي ما بعد حداثي يستخدم تقنيات عديدة وأساليب مختلفة ،من أهمها كسر التتابع الزمني في سرد الأحداث ، وتحرير السرد من الحبكة المركزية ، وزوال مفهوم البطل التقليدي ، و التشظي في البناء وتوظيف تقنيات التناص والميتانص وغيرها من التقنيات ، من الممكن جدا أن هذا التحول في بناء الرواية يكون قد أغرى الكثير من الشعراء لكي ينتقلوا إلى كتابة الرواية ، لأن هذا البناء يعطي فرصة للشعراء انطلاقا من خيالهم المبدع أن يدخلوا عوالم الرواية من أبوابها الواسعة ,
السؤال العاشر : قرأت نصوصا روائية عديدة في كتابك ” وطار ، واسيني” ، كيف تنظر للنص الروائي اليوم ؟
يشهد الخطاب الروائي الجزائري المعاصر ، تحولات كبيرة إن على مستوى التراكم الكمي النصي الذي أصبح في تزايد مستمر وبأعداد مذهلة ،وذلك ابتداء من بداية التسعينيات ، أو من حيث النضج الفني والتقني والتحولات والابدالات السردية وتقنياتها المتعددة ،حيث يمكننا القول أن الرواية الجزائرية فرضت نفسها على المستويين المحلي والعربي ، لذا فهناك العديد من الأسماء الروائية الوازنة وأصبحت أسماء مكرسة ومعروفة ولها مكانتها ، وهناك أسماء جديدة بدأت تفرض نفسها وتكرس وجودها بمنتوجها السردي عالي الجودة ، وتحتاج إلى العناية والدراسة والمتابعة وهناك أسماء شابة تعمل بجد ومثابرة على افتكاك مكانة لها في المشهد الأدبي ، ولها مستقبل كبير في عوالم السرد ، وما يؤكد قولنا بروز الرواية الجزائرية في المحافل الدولية ، وحصول عديد الروائيين على جوائز لها قيمتها ، وآخرها تتويج الروائي عبد الوهاب عيساوي بجائزة البوكر عن روايته الديوان الإسبرطي .
أعتقد أن الرواية الجزائرية أصبحت تتسم بتعدد خطاباتها والتي في أغلبها تنزع نزعة تجريبية ، وتختلف موضوعاتها من روائي إلى آخر ، فهناك روايات تغرف من الذاكرة وإعادة كتابة التاريخ من منظور المتخيل التاريخي ، وهناك روايات كتبت عن المحنة التي عاشتها الجزائر في التسعينيات ، وهناك روايات اعتمدت في بناء سردها على السيرة الذاتية ، وهناك روايات كشفت الواقع ونقدته وأبرزت تحولاته وأثرها على المجتمع الجزائري ، وهناك روايات عن الآخر في المخيال الجزائري ، وهناك روايات تتحدث عن الاغتراب ، هذا التعدد يعد ثراء كبيرا للرواية الجزائرية ، ولا يمكنني أن أصدرا حكما مطلقا على مسار تاريخي وطويل من مسار الرواية الجزائرية في عجالة ، وإنما أحتاج إلى قراءة جادة لكل المنتوج السردي الجزائري المعاصر ، عندئذ يمكنني أن أقدم قراءة نقدية مبنية على وقائع نصية ، ومهما يكن من أمر ، فإن الرواية الجزائرية بحاجة إلى متابعة نقدية حقيقية ، وهذا ما تفتقده الساحة الأدبية ،
إن المنجز الروائي الجزائري الذي يبدو كثيرا ومتعددا ومختلفا ، يحتاج إلى قراءة نقدية جادة حتى نستطيع أن نتبين قدرة هذه النصوص السردية على الحضور والتأثير محليا وعربيا ، وكيف نسوق هذا المنتوج والذهاب به بعيدا عن الإقصاء والتهميش .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الحوار نشر في جريدة الخبر