الشاعرة نورا تومي في حديث لمجلة الصالون الثقافي
اسم أدبي طالع كالنخل في سماء الإبداع الجزائري والعربي شاركت في معظم الملتقيات الجزائرية كما كان لها حضورا مميزا خاصة في مهرجان المربد بالعراق الشقيق تنسج حروفها في جمالية متناهية تسافر بك عبر محطات الجمال اللامتناهية إنها الشاعرة نورا تومي في هذا اللقاء المميز التي خصت به مجلة الصالون الثقافي
حاورها :عزوز عقيل
-
ما اصعب الحديث عن البديات لكننا مضطرين لذلك فكيف ترى الشاعرة نورا بداياتها بعد هذا المسار الطويل ؟
فعلا فالحديث عن المنطلقات والبدايات التي ابتعدنا عنها في حركة العمر تبدو ببعض العسر، ذلك أنّ الإنسان لا تكاد تسعفه الذاكرة لتقليب الماضي كي يبحث فيه عن بعض ما تجاوزه من الحيوات، خصوصا إذا ما أدركنا أنّ الكتابة واحدة من الحالات الزئبقية التي لا يملك الكائن أن يلقي القبض عليها كما يجب، رغم ذلك فإنني أحاول جهدي كي أصل إلى تلك الطبقات من حياتي، كيف تعرّفت إلى الكتابة، وقبلها السؤال الأهم وهو كيف عشقت القراءة.
كانت البداية مع القراءة وفي سنّ مبكرة جدا، ثم تحوّل الأمر إلى عشق ومنها بدأت التجريب، تجريب كتابة يومياتي وبعدها الحدوتة، كأنني كنتُ أسجّل تلك الأحاجي التي يسيل بها لسان جدّتي.. أعتقد أنّي بدأت من هذه الأرضية النقيّة التي أشرف بي إلى هذا العمر.
-
يقال أن التعليم مقبرة المواهب لكنك تزددين ألقا من فترة لأخرى هل تريدين بذلك تفندين هذه المقولة ؟
أعتقد أنه لا علاقة للتعليم أو لأيّ عمل آخر بالموهبة، فالموهوب لا تعطّله أية وظيفة بدليل أن كل من يكتبون يمارسون وظائف وأعمال معيّنة، المشكلة الحقيقية هي في وجود الموهبة من عدمها، إضافة إلى كثرة القراءات وممارسة التجريب المستمر في الكتابة.
-
الشعر النسوي في الجزائر رغم قدرات الكثيرات من الشاعرات لكن مقارنتهن بالشعر الرجالي يبقين قليلات، هل للبيئة دور في ذلك أم هناك أسباب أخرى نجهلها ؟
وجهة نظري أنه لا جنوسة في الإبداع، مشكلة الجنوسة تتلاشى في اعتقادي أمام مسألة الكتابة والفنّ، ما يهم في النهاية هو النصّ سواء كان من رجل أو امرأة بصرف النظر الجنس، أما مسألة سؤالك من هيمنة الذكورية على الشعر دون الأنوثة فأعتقد أنها تعود أساسا إلى مسألة العادات والتقاليد التي تقدّم الرجل وتؤخر المرأة.
-
شاركت في الكثير من الملتقيات في الجزائر وشاركت ايضا خارجه خاصة في العراق فكيف ترين مستوى الشعر الجزائري مقارنة بالعراقي ؟
مسألة المفاضلة في الشعر ليست من القيمة التي يعوّل عليها، لا تستطيع أن ترفع الشعر في بلد لتخفضه في آخر هكذا بجرة قلم، الأمر يتجاوز هذا السؤال السجن إلى أفق أرحب وهو هل توجد حركة شعرية متنامية في الجزائر والجواب نعم، هناك حركة شعرية عميقة وخصبة ومميزة تقوم بها مجموعة من الأصوات الشعرية الراقية، الأمر نفسه أيضا في الشعر العراقي الذي يرتكز على تراث خصب يشهد له القاصي والداني، الرصافي والجواهري والسياب والبياتي ونازك والزهاوي وأحمد مطر وغيرهم، هذا التراث الضخم من الشاعرية يجعل قدم العراق في الشعر أوفى وأرقى وأعلى بما يتوفر عليه هذا الجيل من شاعرية حقيقية لمستها في أكثر من زيارة إلى ملتقى المربد الشعري.
-
ماجدوى الشعر وماجدوى هذا التعب في بلد تعتبر الثقافة من آخر اهتمامته ؟
لا أحد يسأل الوردة عن سرّ شذاها، لا أحد يسأل العندليب أن يصدّح بالغناء أو يكفّ، هكذا الشاعر والشعر لا تملك أن تقف أمامه متسائلا.. لماذا الشعر ولماذا التعب في بلد لا يردّ صدى الشعر؟ الشعر وُجِدَ مع الكون والحياة، والشاعر لا ينتظر الجزاء أو الإلغاء كي يكتب أو يتوقف، الشاعر ابن قلبه، دون أن ينتظر ما الذي سيكون بعد ذلك.
-
الحركة الثقافية في سيدي بلعباس مقارنة ببعض الولايات الأخرى كيف ترينها ؟
في فترة كورونا توقف كل شيء في بلعباس أو غيرها، عام من الركود مات كل شيء وانزوى الناس في بيوتهم، أما قبل ذلك فبلعباس تبدو مدينة حيّة بالفعل الثقافي، لا أنكر وجود الملتقيات والأمسيات والأصبوحات الأدبية التي تهتم بالكتابة بصفة عامة، لكن المشكلة هو في قلّة الإقبال على الفعل الإبداعي مقارنة بالحركة الثقافية كالمهرجانات الشعبية والفنية وكذا الفنون المسرحية والحفلات التي تتميّز بالإقبال الكبير من طرف الجمهور.
-
ماذا أضاف لك الشعر وماذا أخذا منك؟
أضاف لي الكثير، معنى وجودي، حقيقتي، فهمي لعمق هذا الوجود، إحساسي الشفيف لكل ما حولي، هو لحظة حزني التي تدلّ على فرحي ومعنى نجاحي، مفتاح السرّ الذي أحمله أمام سؤال الوجود، لمسة الدهشة التي عرّفتني إلى جنّة السعادة، الشعر هو أنا في فرحي، لحظة الحبّ المتساقطة في دنيا قلبي، الشعر هو أنا العارفة والكاشفة في لمسات الوحي، والشعر وُجِدَ ليعطي لا ليأخذ منا..
-
ماهي اهم مشاريعكم المستقبلية ؟
أعكف على إعداد مجموعتي الرابعة التي أنوي طباعتها بحلول السنة الجديدة بحول الله تعالى
-
الإعلام الثقافي هل استطاع أن ينفض الغبار على الثقافة الحقيقة الجادة أم مازلنا نعاني من نقص إعلام ثقافي جاد يواكب بعض الدول العربية وحتى الدول الجارة؟
يبدو لي أن الإعلام الثقافي أخذ على عاتقه مهمّة تحريك الفعل الثقافي عامة والكتابة خاصة، فمن خلال الدوريات الثقافية والمجلات والصحف والجرائد التي تعنى بالفعل الإبداعي من المحيط إلى الخليج يتبيّن مدى اهتمام الدول العربية بالثقافة، على اعتبار أنّ الثقافة هي عين المجتمع التي يمكن من خلالها النظر إليه، بالنسبة لي على الأقل أرى أنّ الثقافة قيمتها التغيير، وهذا الذي نلمحه على مساحة الأرض العربية، لكن لسبب ما بدا كأنّ فعل التغيير قد تعثّر. السؤال المهم الآن هل أدّت الثقافة العربية والكتابة العربية دورها الحقيقي؟ نحتاج إلى وقت كي نجيب عن هذا السؤال.
-
عجز وزارت الثقافة المتعاقبين على إصدار مجلة ثقافية منتظمة لم يعود السبب في الوصاية أم في المثقفين الذين لم يلتفوا حول مشاريع الوزارة؟
كانت مجلة مثل آمال الثقافية ثم سكتت عن الكتابة، حدث الفراغ بعدها، في الآونة الأخيرة جاءت مجلة انزياحات لتقدّم البديل الثقافي الذي ننتظره، في الحقيقة أنّ مشروع الثقافة لا يقتصر على الدولة ولا على النخبة، مشروع الثقافة هو مشروع الأمة التي تنهض من سباتها نحو أداء الفعل الحضاري الحقيقي، ونحن في انتظار هذه اللحظة العظيمة.
-
ثلاث نساء وزيرات للثقافة هل استطاعت أن تثبت المرأة جدارتها في تسيير الفعل الثقافي؟
حين تكون الثقافة آخر اهتمامات الأمة، فلا يجب أن نُسأل عمّن تربّع على رأس الوزارة، مسألة الثقافة في الجزائر أعمق من منصب وزيرة.
-
بعيدا عن الشعر والتفتيش كيف تقضين وقت فراغك ؟
مع كورونا، يمضي وقتي في أداء واجبي المهني وواجباتي كربّة بيت مع القراءة والكتابة متنفسي الوحيد.. كما لا أفرّط في التواجد على فضاء التواصل الاجتماعي للكتابة والنشر والتواصل مع أصدقاء المشرق والمغرب.
-
كتاب قرأته ومازال عالقا بذهنك .
الخيميائي لباولو كويلو، جين ايير لشارلوت برونتي
-
في الأخير ماذا تقولين لقراء نورا تومي وما هي الرسالة التي تريدين ايصالها من خلال الصالون الثقافي ؟
أشكر لكم هذه الشرفة التي أشرعتموها لي من صالونكم الثقافي، هي فرصة لأوجّه لأحبّائي القرّاء وبمناسبة العام الجديد 2021 تهنئة مباركة بسنة سعيدة مملوءة بالمحبة والسلام، آمل أن يرفع الله عنّ بلاء هذا المرض، وأن تعود الحياة إلى طبيعتها وكل عام وأنتم بألف خير.