يَـوْمُ الْـوَدَاع
~بقلم الشاعر أحمد بهناس
يَــوْمَ الــوَداعِ تَحيَّــةٌ وسَـــلامُ
بِـكَ يَـا مُحمَّــدُ تَحْــزَنُ الأيـَّـامُ
بِكَ والجِهادِ الحُرِّ يَغْدُو صامِدًا
عِلْـمُ الكـلامِ، فَتَزْدهِي الأفْهـامُ
بِكَ والذينَ كَمِثْلِ شَخصِكَ فِي الوَرَى
مِـنْ طِيبِـهِمْ تَتَضمَّـخُ الأنْسَــامُ
بِكَ تُبْعَـثُ الأجيالُ بَعْـثًا قَاهِــرًا
وَبِـكَ المُعلِّــمُ للــدُّروسِ إمــامُ
وبِكَ البُنَاةُ سَيُصْقِلـونَ بِناءَهـمْ
وبِـكَ الغُـفَـاةُ كأنَّهُـمْ مَـا نَامُـوا
صَفًّا إلَى صَفٍّ وأنْتَ تَقودُهُمْ
لِلمَكْـرُماتِ، شِعارُهُــمْ إقْـــدامُ
وَيُضَايَقُونَ فَلاَ- وَرَاءُـ يَصدُّهمْ
كَــلاَّ، ولا سَـــدٌّ يَــرُدُّ ” أمَـــامُ “
يُسْتفْـسَرونَ عن الذينَ تَلاعـبُوا
بِمَصيــرِ أجْيــالٍ، فهـمْ أنْعــامُ
وَعَنِ الذينَ قَدِ استباحُوا حَقَّهــمْ
هَـدَرًا، فَدِيسـتْ عِــزَّةٌ وذِمــامُ
ومَنِ الذينَ عَـدَوْا علَى أحْلامِهمْ
قَدْ شَوَّهُوهمْ، فكدَّرُوا وأغَـامُـوا
يَـا”دَاسَةٌ” قَـدْ دُسْـتَ كُـلَّ مُضلِّلٍ
مِمَّا ابْتـدَأْتَ، ومَـا هُنَــاكَ خِتَــامُ
إنِّي لَيَعْـرونِي الأسَى ويَخضُّنِي
مَـا نَــاحَ طيْــرٌ شَـــدْوُهُ أَنْغَــامُ
وحَيَـاتُـنَا لَيْسَـــتْ لَـنَا فَلِغيْـــرِنَا
وبِـأنـَّهـَا لِلـرَّاغبِيــــن مَـــــرامُ
للنَّـاسِ مِيـلادُ الفَـتَى وعَطـاؤُهُ
ومَمَـاتُــهُ ورَضاعُــهُ وفِطَـــامُ
لَوْ شِئْتَ أهْدتْكَ الرِّيَاضُ زُهورَهَا
وَلَهَا على كَـفِّ الجَمَـالِ زِمَـامُ
ضَمَّتْكَ أوْرَاقُ الكِتَابِ حَضانَةً
وَتُقِـلُّـكَ الـدَّويَــاتُ والأقـْـــلامُ
وَذِراعُكَ المَبْسُـوطُ نَجْـمٌ سَابِحٌ
نَشْــوانُ، يَلمَــعُ تَـارةً ويُغَــامُ
مَـا كَادَ جِيـلُكَ تَسْتقِيـمُ حَياتُـهُ
إلاَّ ورُزْءٌ، يَسْتبِيـــحُ، زُؤامُ
والثُّكْـلُ والمَحْيَا السَّعِيدُ سَويَّةً
مَـوْتُ العِظَــامِ كالبَقـاءِ تُــؤامُ
*
يَوْمُ الْوَداعِ بِكُـلِّ جَارحَةٍ مَشَى
طَـوْدٌ، تَناوشَـهُ الزَّمـانُ هُمَــامُ
فُجِـعَ الأسَـاةُ بِـهِ فَبـاءَ سَعْيُـهمْ
والصَّبْـرُ كَـادَ يُذيبُـهُ اسْتِسْـلامُ
وَتَعسَّـرَ البُرْءُ الكرِيمُ وأخْلفَـتْ
بِـوُعُـودِهَا، فَتطــاولَ الهَــدَّامُ
يَوْمُ الوَداعِ فُؤادِي لَمْ يَكُ سادرًا
بِئـسَ الخيالُ تَنُوشُـه الأوْهــامُ
الشِّعْرُ يَوْمَهَا لَـمْ يَكُنْ مُتحفِّــزًا
قَدْ أخْرسَتْـهُ علَى الرِّثَاءِ جَهَـامُ
الشِّعْـرُ فِيكَ يا خَلِيـلِي تَجارُبٌ
بِعَنَـائِــهَا تَتَفجَّـــرُ الألْغَــــامُ
قَدْ كَانَ يَعْطِفُنِي عليكَ مَلامَـةٌ
أنْ لا تُبَــلَّ فَيَحْـزَنَ الأقْـــوَامُ
إنِّي انْتظرْتُ مِنْ رُفاتِكَ هَمْسةً
صَبْــرًا جَميــلاً قُلتَــهَا إبْهــامُ
يَـوْم الوَدَاعِ ومَـا نَـزالُ كعهْـدِنا
لَــوْ تَسْتَـتِـــمُّ أخُـــوَّةٌ ووِئَــــامُ
أبْكِيـكَ إذْ دَالَ الزَّمَانُ وبُدِّلـتْ
نُظُــمٌ، لكـلِّ مواقِـــفٍ أرْقَــامُ
*
هَـلْ نَرْعَـوِي لِخلافِـنَا إذْ كُلُّـنَا
بِهُمُـومِــنَا وَوِئَـامِــنَا أرْحَـــامُ؟
قَلْبِي يَذوبُ، وما الشُّجُونُ قليلةً
حُـــرَقٌ وجِسْـــمِي كُلُّــــهُ آلامُ
قَلْبِي يَذوبُ أسًى، وشِعْرِي مُفْعَمٌ
أخْــنَى بِوحْشَـتِـهِ عَليْــهِ لِجـــامُ
أبْكِيكَ، لاَ أبْـكِي الطُّلُـولَ سَفَاهَةً
أَبَـــدًا، فَـلاَ الهِنْــدَاتُ والأرْيَــامُ
أَرْثِيكَ بالشِّعْرِ الرَّقِيقِ، فَمَا التَوَى
عَنْــهُ الضَّمِيــرُ وَخَـانَـهُ الإلْهــامُ
قَـدْ نَلْتَـقِي مِنْ بَعْـدِ طُـولِ بَرْزَخٍ
الشَّيْـــخُ، والفنّــانُ، والقــــوَّامُ
هِيَ ثُلَّــةٌ مَهْـوُوسَةٌ بِصلاَحِـهَا
فَسَعَتْ فَلاَحًا، مِسْكُهُ اسْتِعْصَامُ
واسْتَضْحَكَتْـكَ جِنَانُ ربِّكَ أزْلفَـتْ
لِعُـلُــوِّ قَــدْرِكَ، والهِــلالُ تَمَــامُ
صِدْقُ المَخَايِلِ في فَراسَةِ مُؤمِنٍ
وشَهَــادةُ الـدُّنْــيَا لَـهَـا إعْظـــامُ
نَـمْ هانِئًا فِي رَوْحِ قبْرِكَ رَوضَةٌ
صَحَّـتْ بِـهَا الآمَــالُ والأحْــلاَمُ