أحسبني تأخرت عن معانقة الاحبة فيما يجب ان أنقله اليهم من دافئ الكلمة وسمو الموقف ونبل المشاعر .. الحق أننا بحاجة ماسة الى كل من يدق أبواب الحال ليغسل وجداننا من هذه الادران الثقافية التي ضاعفت أحساسنا الرهيب بالفراغ والانكسار الجمالي . نتعايش كمثقفين وكمبدعين مع هذه الظروف الثقافية .. ونترقب كل اشراقة من شأنها أن تفتح لنا أفقا ..وتضمد ما تشهده الساحة من وباء فكري وثقافي وسياسي .. يحتاج إلى لقاح ..فاعل .. يسعى كل واحد منا أن يجدد دورته الدموية .. من خلال استنشاق واستنطاق ما يكتبه هذا الجيل الابداعي بهذه الروح الواثقة ..متحفزا وهو يتحدى حالة الشعور والاغتراب.. التي تسد الطريق إلى حركية ثقافية تفرز لنا أريحية وطموحا وشعورا بالدفء . نريد حركية ..نريد استفزازا ايجابيا يعطينا الاحساس بالمناعة الثقافية ضد حالة الصدأ التي تغلف هذه الفضاءات الغامضة التي تلبسنا .. لقد كان الطاهر وطار من أبرز الناس الذين كانوا يعطون لثقافتنا نكهة ووجودا .. من خلال ردود أفعاله على ما يسوقه الاعلام من موجات سياسية وثقافية وابداعية .. كفيلة بتثمين حياتنا وتمكين إرادتنا من إنجاب ثقافة لها عنوان .. وأقولها فعلا صرنا بدون عنوان ثقافي .. وزادت هذه الظروف المريرة واقعنا مرارة ونكوصا .. ولا نملك بين أيدينا الا بعض الاجتهادات التي يقدمها بعض المبدعين الذين وجدوا في ظروف الحجر فرصة للابداع والإنتاج.. ولا استطيع ان أصف هذا المنتوج الآن لانه في الأغلب الأعم ستكون بصمة كورونا واضحة فيه . اننا نعاني الفراغ .. ومعاني العتمة .. ونعيش فوضى ونشرب من كأس لا مذاق لها . الحاجة إلى من يمد لهذا المبدع اليد لمواصلة المشوار ..وتجديد العهد مع الكتابة والقول كبيرة .. لدى الفعاليات الفكرية والأدبية التي تشهد اضمحلالا بسب هذا الفراغ الهائل الذي جمد كل أسباب النشاط الثقافي ..ولم يجد المبدع . خلافا لبعض الشرائح الأخرى مجالا للمساهمة في إثراء أو إنتاج ما ينفس عن المجتمع .. الذي تنتابه حالات قصوى من القلق الوجودي .. وهو ما فرض على الكل التفكير في تدبير اللقمة .. وكأن هذا الوباء أقصى كل مبادرة .. أو هذه هي الحقيقة المرة التي يتناساها الجميع ..حتى أصبحنا لا نملك الحق في التعقيب على قصيدة .. أو ربما اكتشفنا أننا أمام موقف يقنعنا بأن قراءة رواية هو نوع من اللعب غير المجدي ..ما بالكم بالاستماع إلى شعراء أو فنانين .. فعلا لقد غلبنا الإحساس بالموت مع ازدياد عدد المصابين بهذا البلاء .. وشخصيا صار استنشاق الهواء الإلهي في الطبيعة أهم من استنشاق قصيدة .. لأن التنفس الرباني أهم بكثير من التنفس الاصطناعي.. في ضوء الشعور المستفحل الذي يغطي كاهل المجتمع الإنساني كله . وأجد انه من غير اللائق أو المباح دعوة أديب كبير للوقوف في منصة .. امام جمهور .. الأمر يبدو غريبا فعلا ..ان نتابع ما يقوله فيلسوف الفلاسفة في منتدى يحيطه فيه مهتمون وفضوليون ومحبون وهواة .. فعلا ما نعيشه في زمن كورونا ضحك كالبكاء .. نبايع فيه أسئلة غريبة الأطوار . وسواء شئنا أم أبينا فإن ملكة الابداع في حيرة من أمرها ..لمن نكتب .. ولماذا نكتب .. طالما انت أمام قارئ يجلس القرفصاء في حالة حجر قصوى بسبب كورونا .. وبسبب الواقع الذي ينعدم فيه دفء الإبداع.. بسبب ما تمارسه حالة الفراغ الثقافي من أحساس بالحرمان والضياع والتوتر الواقعي والوجودي .. ما يفترض ثقافيا ان الثقافة تهيء للمجتمع أسباب السمو الحضاري.. لكن الذي نعايشه يكشف ان الثقافة هي اخر مطلب في السلم الاجتماعي في ظل هذه البؤرة التي هددت بقوة الشرائح الواسعة .. وغذت عقلية مشحونة بشعور داخلي مقموع .. يتساءل بعفوية أحد المبدعين الشباب .. أريد أن أكتب ..لكنني لا أجد من يسمعني في هذه الفترة .. لا أجد من يعطيني أذنيه وقلبه للافصاح أمامه أو بين يديه بما أكتب.. أكتب .. وأشعر أني أكتب شيئا شبيها بريح في الريح .. في هذه الفترة العصيبة من حياتنا الانسانية نتساءل نحن امام حالة الواقع الذي فرضته كورونا .. رعاية المبدعين الشباب .. مسؤولية من حاليا ؟ هل يمكن المراهنة في هذا الشأن على المؤسسة الثقافية بكل هياكلها .. التي دخلت في تجربة هلامية .. لا تصلح المساحيق لها .. لانها منذ البداية.. لا يتجاوب معها الناس حتى لا أقول المثقف .. ومنذ أن استقامت ثقافة الفايسبوك ..صار البديل النفسي لهواة الكتابة .. وكل من يريد استعراض خواطره أو حتى مشاعره الأدبية…ولو بلغة ساذجة ..لا يخاف من أحد مثلما كان يخاف من الوقوف في المنصة أو المنبر . ولا يتهيب من أحد .. انها حالة تفرض علينا الوقوف في منعرج الطرق : هل تمتلك الكتابة الإبداعية في الجزائر زمنها الذي يلزمها كي تتحرر وتبرز .. أصف لكم هذا الواقع .. الثقافي ..العاري من كل طموح ..ولا أتهم أحدا .. لأن من يدعي أنه فارس زمانه غير موجود ..ولا أحد يمتلك القدرة على القول : ها أنذا .. الكل يترقب بحذر ..قد تكون فكرة اللقاح الصحي متجذرة في لاشعور كل شخص .. لتجاوز الوجدان المشتت إلى الوجدان المستقر الهادئ .. بما يمكنه أن يهيء الرغبة والطموح.. لأن المؤكد الآن ان المؤسسات الثقافية كلها تقريبا تعيش حالة نكوص وبطالة وفراغ ..تماما مثل شعور كل مثقف ..يطل على العالم من خلف كمامة فرضت عليه رغم ارادته .. ما هي اللغة السليمة التي يمكن تقمصها الآن لأشعار أو حتى إقناع أنفسنا أننا في حماية مؤسسة أو جماعة أو شخص .. ؟ لن أظلم جهة أو طرفا لأنه لا أحد يمتلك المجاديف التي تحقق لنا الإحساس بالأمان .. وكأني اريد أن أقول ان كورونا هي العقبة التي فرضت نفسها على الثقافة كي تدفع أكبر قسط من المحنة … وستكون حصيلة الخسارة سيئة ..لا يمكن فيها ان نبارك مبادرة على حساب مبادرة .. الله واحد .. وشعورنا مختزل .. في استعادة الدفء الذي حرمنا منه كادميين اولا .