الكاتب المسرحي العراقي علي عبد النبي الزيدي
حاورة جروة علاوة وهبي
استاذ علي عبد النبي الزيدي كسرت الطابوهات في بعض نصوصك المسرحية واقتحمت مناطق تعتبرها الديانات وحتي الأعراف من الأمور التي يحرَّم الاقتراب منها وكنت سباقا في ذلك واخص بالذكر إلاهياتك وما بعدها وكذا نص 25سنتم وغيرها ما الذي ترتب عن ذلك؟ وكيف كانت ردود فعل أهل الديانات بشكل خاص؟
-أساساً ما أفكر فيه هو أن أكتب نصاً مسرحياً فيه قيمة فكرية ويناقش قضايا الإنسان المقموع والمأزوم في هذا العالم الذي سحقه وجعل حياته جحيماً، أما ما يفكر به (الآخر) بأفقه الضيق تجاه نصوصي المسرحية لا أهتم به على الإطلاق، لأنني مؤمن أن ما أكتبه لا يحمل قصديات تقف بالضد من (المقدس)، وافكاري تحمل أوجه متعددة يمكن قراءتها هكذا، أما الفعل القصدي ما يتعلق بالدين أو الله سبحانه
وتعالى وسواها.. لا يمكن أن أفكر بهذه الطريقة ضيقة الأفق التي تضعني يسارياً متحزّباً في وعيي ونتاجي المسرحي وهو ما أرفضه تماماً لأن المسرح علمني أن أكون حراً بلا قيود، ومن هنا ككاتب مسرحي عراقي وعربي أذهب لفهم العلاقة مع المقدس بطريقة العاشق والحبيب مع الله وهي اقرب للمتصوفة منها في فهمهم للمقدس العظيم. بالتأكيد تعرضت لشتى الاتهامات وما زالت قائمة الى الآن، وهي اتهامات متطرفة ومحدودة في وعيها، فمشروع نصوص (الإلهيات) و (ما بعد الإلهيات) أراها حالة متفردة على مستوى الكتابة في كسر النمطي والسائد من الأفكار التي تفشّت على خشبات مسرحنا العربي بل حتى العالمي، لذلك هذا الكسر يحقق الذهاب الى مناطق جديدة وبكر سأحقق من خلالها فعل الصدمة الذي أريده للمتلقي، وقد اختبرت تلك النصوص كعروض مسرحية لمختلف المخرجين وأثارت جدلاً واسعاً ما زال مستمراً الى الآن كلما ظهر عرضاً مسرحياً من تأليفي.
-انت الان واحد من اهم صناع المشهد المسرحي في البلاد العربية وقدمت نصوصك في عدة دول عربية وحازت جوائز. كيف تنظر الى واقع المسرح وآفاقه في الوطن العربي؟
-لي وجهاتُ نظرٍ في ما يقدّم عربياً، وأنا المطلع بشكل واسع منذ سنوات طويلة قارئاً ومشاهداً ومشاركاً، ويمكن لي تقسيم مناطق الاشتغال عربياً الى عدة تقسيمات فرضتها سياسة تلك البلدان بحكم (الأعراف، والدين، والحرام، والعيب، والسياسة، والجنس…ألخ) وتلك صارت تابوات لا يمكن الاقتراب من مواضيعها مسرحياً، لذلك نجد بعض البلدان العربية تهرب الى الماضي وتستدعي التراث لتهرب من قضايا الواقع ومشكلاته وأزماته التي لا تنسجم مع المشهد السياسي داخل وطنهم، وفي أوطان أخرى راحت الحروب والأزمات تهيمن في مواضيع رجالات المسرح، وأخرى خاصة في المغرب العربي نجد مواضيع التطرف الديني حاضرة وهي تسخر منها بطريقتها الخاصة، وربما فعل السخرية أحد أهم أركان خشبات المسارح عندهم، اضافة الى جرأتهم في تناول مواضيع مسكوت عنها اجتماعيا وسياسياً الى حد ما، في العراق مثلاً نجد ان المسرح عندنا تأثر بحجم الكوارث التي حدثت له منذ خمسين عاماً والدكتاتوريات التي تلاحقت عليه وما زالت مستمرة، اضافة الى التطرف الديني بمعناه المذهبي الذي استطاع ان يهدّم بنية المجتمع في العراق عموما وجعله خائفاً من القادم أو المجهول دائماً وسط سلطات حزبية متخلفة وفاسدة تتخذ من الاسلام والمذهب غطاءً أو قناعاً لأفعالهما الاجرامية، لذلك أقول هذا المناخ في مسرحنا العربي ربما شكل في جزء منه حالة الاختلاف في الافكار وطرحها على خشبات المسارح وفي نفس الوقت أراه غير متحرر من سلطة الانظمة بل أن بعضها يمثل وجهة نظر السلطة وهذه كارثة بالنسبة لي.
-ماذا يعني لك التجريب في المسرح؟
-بالضرورة أجد التجريب خاصة في الكتابة للمسرح أحدى المناطق الجوهرية لخلق نص مسرحي مغاير، وأشير أن العروض المسرحية هي من تطارد النصوص المسرحية وليس العكس، أي أن فعل الكتابة المغايرة تنتج عرضاً مغايراً. وبالنسبة لتجربتي أجدني أجرّب بأفكارٍ يمكن لها أن تحققَ فعل الصدمة على مستوى القضايا التي تطرحها نصوصي، وفي الوقت نفسه تحاول هذه النصوص أن تجرّب على مستوى الشكل الذي ينسجم مع (الآن) بمعنى مواكبة حركة الحياة والمجتمعات، والتطور الهائل على مستوى التكنولوجيا ووسائل الاتصال وسواه.. كلها تحتم أن فعل التجريب لايمكن له أن يتوقف، بالرغم من أننا ربما لا نلمسه عربياً الا بحدود على مستوى الكتابة بفعل المخاوف وقمع حرية الرأي إلاّ انه أي التجريب يظل أكبر الطموحات لدى كتاب المسرح أن ينتجوا أعمالا مثيرة وجديدة في افكارها وأشكالها، المتحقق ضئيل جداً، ولكن الأهم هو أن المحاولات مستمرة.
-نلمس في نصوص لك روح اللامعقول او العبث تري ما الذي جعلك تلجأ الي هذا التيار المسرحي في بعض نصوصك. هل هو شعور بعث الحياة ام هو اليأس والاحباط والدمار الذي تخلفه الحروب والازمات بشكل عام؟
-أنا أشبه صاموئيل بيكت، ويوجين يونسكو، وآدموف وآرثر ميلر، ووو… لا فرق بيننا فقد عشنا نفس جحيم الحرب العالمية الثانية، ورأيت وطني يحترق ويدمر ويقتل بنفس الآليات والأفكار تلك، كنت شاهد عيان على نار الحروب التي لا تعد، وشاهدت كيف يقتل الناس الأبرياء فيها، وعشت الخوف بكل تفاصيل، والرعب والهلع والقلق، فقدنا الأمل بالعيش الآمن، حياتك مهددة، يمكن ان يقتحموا بيتكم في أية لحظة ويقتلونك وأهلك بكل ببساطة.. لذلك أقول أن كتاب مسرح اللامعقول هم مجموعة من أصدقائي بالرغم من أنني أدرك تماماً أن اللامعقول الآن تحوّل الى (معقول) في واقعي العراقي.. وربما نحتاج الى ناقد مثل مارتن ايسلن ليشير بدقة الى شكل الكتابة التي أكتبها في داخل الجحيم العراقي، وفعلا هناك من أشر الى مناطق الإحباط اليأس والخوف في تجربة الكتابة عندي وظهرت دراسات أكاديمية تؤكد ذلك، وهذا كله بالتأكيد نتيجة للحرائق التي عشتها وما زلت، ما أميل له على مستوى كتاب اللامعقول هو التمرد على شكل الكتابة الأرسطية التي كانت سائدة منذ لحظة الكتابة الإغريقية الأولى الى ما بعد عام 1945 الموعد الحقيقي لشكل النص بمفهومه الحديث، فـ صم
وئيل بيكت على سبيل المثال لم يكن يائساً أو خانعاً وهو ينظر للحياة ما بعد الحرب العالمية الثانية.. بل على العكس، هو يريدنا أن نتمرد ونتحرّر من فعل الانتظار غير المجدي باتجاه تحررنا من سلطة الآخر، وسواه من كتاب اللامعقول.