قصة قصيرة : “جوجو ” يسرق سفننا الورقية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محمد الكامل بن زيد
ما بال “جوجو” اليوم ؟ هو على غير عادته ..مهموم ومكسور الوجدان .. منذ مجيئنا حال خروجنا من الكتّاب بعد صلاة العصر وهو على نفس الحال ..ورغم أن الفرحة كانت لا تسعنا إلا أنه ظل حبيس الجمود ..معلمنا سيتزوج هذا الخميس وهذا ما معناه أننا سنلعب طويلا وأن ألواحنا سترتاح قليلا من عبثنا بها وأيضا وهذا هو المهم ، أرجلنا الصغيرة ستهنأ ببعض من الطم أنينة ، كل هاته الأشياء عندنا كأبواب الجنة ..وهو على ما نراه شيء من هذا الوجود ..لسنا بحاجة الى التعريف به غير أنه بدا من الأشياء المهملة ..جلس بجانب الشجرة العملاقة ممددا قدميه في حاشية الوادي رافعا كفيه خلف قفاه كأنه حالة من الصمت الرهيب ..أصدقائي لم يقفوا أمام حالته أكثر من لحظات ..قد لاحظوا هذا التغير وتبادلوا بعضا من الهمس والغمز ثم ما انفكوا أن عادوا إلى لعبتهـم المفضلة ..الســفن الورقية .. هذا الذي أراه أمامي بلا أدنى ريب أصابه مس عظيم .. وحالته هذه سبق لي أن سمعت عنها من أمي ..من يقف وحده..من يجلس وحده..من يأكل وحده ..من يفكر وحده..من يتحدث وحده..فهو يا ولدي والعياذ بالله به مس من الشيطان..))..لكن أيعقل هذا بين عشيــــة وضــحاها ؟! بالأمس فقط !!.. وفي نفس المكان ، كان يلاعبنا ونلاعبه، يضربنا ونضربه .. يضحك علينا ونضحك عليه .. وهاهو اليوم شيء من الشجرة العملاقة .. أقل من نظرة وأقل من ابتسامة هذا كل ما يفعله إن وقعت عيناه على عيني .. – دعك منه قال صديقي علي بعد أن سرق مني سفينتي الورقية ليرميها في ماء الوادي – لحظات وتراه يلعب معنا لم أفهم ..غير أني حين لمحت أن سفينتي توشك على الغرق أسرعت إلى إنقاذها ومن ثم وجدتني أنغمس في اللعب معه ..سفننا الورقية تنافس بشرف الرياح..و هذا الوادي هو الأصل وخاتمته تقع هناك عند شرق القرية ومن الغباء أن تلحق سفننا الورقية الى هناك .. أولياؤنا جزموا وأغلظوا لنا الأيمان ..أن غولا عجيب الشكل يســكن هنـــاك .. وكيف لي أن أنسى أصابع جدي وهي تدعك شحمة أذني بقسوة لم أعهدها فيه من قبل .. أذكره يـومها وهو يقـــــول لي بلهجة بقدر ما فيها من شيء من الترهيب أحسست أن فيها نفس القدر أو أكثر من ذاك الشيء ..شيء من الحب ..من الخوف : (( إياك أن تسب خاتمة الوادي أو تلعنها أو تلحق سفنكم الورقية إلى هناك ..إلى حيث شبح الظلام ..الغول عجيب الشكل ..فإن فعلتم ..سيأخذكم معه إلى عالم الظلام حيث لا آباؤكم ولا هم يحزنون .. )) – اللعنة !! صرخ صديقي علي بنرفزة شديدة ..بعد أن أدرك خسارته معنا ..فقد حاول في لحظة يأس أن يفجر سفينته الورقية بحجارة صلبة غير أنه أخطأ الهدف ..هو بالتأكيد لاعب فاشل ..فلحظة غضبه هذه كادت أن تكلفنا غاليا ..وكدنا معها أن نقع في مأزق لا نحمد عقباه ..فقد ضاعت أغلب سفننا الورقية في غيابات الوادي ولم يكن بوسعنا أن نفكر كثيرا في أمرها ..تعالت الصيحات وانفجرت المكنونات و بدون تعليق وجدنا أنفسنا نلعنه ونسبه ومن ثم بدأنا نتراشق بمياه الوادي .. – أيها الأغبياء ..سفنكم معي .. إنه هو.. صوته هو ..صوت “جوجو” اللعين.. تحرك الصخر ..كيف أنّي لم انتبه ..وكيف له أن يتحول .. – إن كنتم رجالا ..الحقوا بي إلى منتهى الوادي – اللعنة !! ساقاه مدفوعة بشدة بشرف الرياح حيث لا تدرك معنا للتوقف ..نحن أيضا ركضنا معه بجهد عظيم .. إننا نحاول جاهدين أن نمسك به قبل أن يصل منتهى الوادي وإلا فإنها والله ..الكارثة.. !! نظرت ناحية صديقي علي كأني أسأله من أين له بهذا التحول الطارئ و هاته القوة الهائلة ..فوجدت غمزاته تجاري غمزات الآخرين وسمعته يتمتم معهم : – لقد مرت !! ولم أشعر باقترابي منهم ..وأنا أتمتم معهم : – من ؟!