وأن أتحدث لسائق سيارة الأجرة ، من شارع عماد الدين وصولا للمنيل لإجراء لقاء تلفزيوني للقناة الفضائية المصرية *يام في مصر* في نادي الإعلاميين المطل على نهر النيل ، ولما علم من لهجتي الفصحى أنني جزائري ، راح يسرد حكايات الفن الجميل وتحدثنا هواري بمدية وجمال عبد الناصر وجميلة بوحيرد وعن وردة الجزائرية ، وغيرها من فنانان الزمن الجميل ،حدثني عن شادية وعبد الحليم وفائزة أحمد وغيرهن ليوقف من السرعة قليلا ويميل اتجاه اليمين ملوحا لعمارة كبيرة تقع هناك في حي الزمالك مشيرا لي أن تلك العمارة الشاهقةكانت تسكنها الفنانة شادية وعبد الحليم وراح يحدثني عن لحظات الجمال والإبداع فتحدث عن طه حسين وعن توفيق الحكيم وأحمد شوقي وشاعر النيل وأشار لي إلى النيل قائلا هذا العملاق الذي يضرب بجذوره في أعماق التاريخ ، وأنا مشدوها بتنوعه الثقافي الفني والإبداعي فلم يترك لي شاردة ولا واردة إلا وحكاها كانت المسافة تتقلص بالنسبة لي وتمنيت أن تطول المسافة ، وقررت قبل أن أنظر لساعة الهاتف لأطلب منه أن يستمر في السير واستمر في الحديث ، وأخبرته بأنه لولا الوقت وارتباطي بموعد التسجيل في الفضائية المصرية لواصلت المسير معه ، ولم أدرك سر هذه الكيمياء التي ربطتنا ببعضنا ،كانت الساعة تشير إلى الواحدة إلا بعض دقائق لما وصلنا إلى نادي الإعلاميين في منطقة “المنيل” وأشار لي بسبابته إلى نادي الإعلاميين وقبل أن أنزل من السيارة فاجأني انظر إلى هذه العمارة الكبيرة وكانت عمارة مطلة على النيل في ارتفاع مذهل ثم أشار إلى شقة في الطابق الخامس أتعرف أن تلك الشقة كانت تسكن فيها وردة الجزائريةوهي الشقة التي توفيت فيها، ثم سألني عن موعد تسجيل الحصة فأخبرته بقي من الزمن ساعة فطلب مني عدم النزول ، ووصل سيره دون أن يخبرني بالوجهة كان اطمئناني كبيرا لأن الحديث معه كان في غاية الإمتاع، وما هي إلا دقائق حتى أوقفني في مكان لا يبعد عن المنطقة الإعلامية إلا بعض دقائق وأشار لي إلى مكان لا يبعد سوى بأمتار، قائلا لي: ((ها هي أم كلثوم أمامك هذا متحفها يمكن أن تقوم بزيارته قبل موعد اللقاء مشيرا لي أن المسافة ليست بعيدة للعودة)) شكرته من أعماق القلب ودفعت له ثمن الأجرة ، المتفق عليها ولكنه رفض أن أزيده عن المسافة المضافة ،وقبل أن نفترق طلب مني أن أسجل رقمه الهاتفي لعلي أكون في حاجة إليه وفعلا فعلت ، نزلت متسارع الخطى لأدخل فضاء كبيرا عبارة عن حديقة صغيرة وضع في وسطها تمثلا لسيدة الطرب “أم كلثوم” لم يكن واضح المعالم ولكنه فيه شبه كبير لسيدة الطرب وقبل أن أطلب من أحد العاملين أن يأخذ لي صورا في المكان ومع السيدة رحت أسأله عن المعرض فقالي لي(( إن أحد المتطوعين هو الذي تكفل بهذا وجمع كل ما يتعلق بمقتنياتها وذكرياتها ليكون معرضا مفتوحا للزائرين من داخل البلد وللسواح من مختلف أنحاء العالم)) ، رجعت بي الذاكرة في لحظات مسروقة من الجمال والإبداع وتأسفت بمرارة عن وضعنا الثقافي وكيف لنا أن نقتل مثقفينا ومبدعينا واختلطت عندي لحظات الانتشاء بلحظات الـألم وتباطأت خطواتي وأنا اقترب من الكشك الصغير لشراء تذكرة الدخول للمتحف ودفعت سبع جنيهات ودخلت وأنا اقترب من مكان الاستقبال لأسلمه التذكرة سألني بابتسامة تدل على أن ثقافة السياحة تعرف تطورا ملحوظا وسألني هل تريد أن تستعمل الكاميرا وتلتقط صورا ،فأجبته طبعا وهل أفوت مثل هذه الفرصة فأخبرني بدفع سبع جنيهات أخرى ، في الحقيقة لم تكن ثمن التذكرة هامة بالنسبة لي وهي في الحقيقة لا تمثل شيئا خاصة بالنسبة لنا نحن كجزائريين فهي كانت تعادل سبعون دينارا ولكن ما لفت انتباهي تقسيم هذا الثمن على مرحلتين سبع جنيهات في كل مرحلة لإغراء الزائر بالدخول أولا ثم يجد نفسه مجبرا على دفع ثمن التصوير لأنه لا يمكن لزائر لهذا المكان أن لا يخلده ببعض الصور ،دفعت السبع جنيهات وسلمني تذكرة ثانية بعد أن أمسك عنده التذكرة الأولى وسرت في ممر خافت الأضواء بلون يقترب للسواد وصوت أم كلثوم يدوي في أرجاء المتحف ، اقتربت من جناح الصور الذي يؤرخ لمرحلة الفن الجميل فكانت صور السيدة تملا المكان مع شخصيات عربية مرموقة وإعلاميين من مختلف بلدان العالم وصور لبعض حفلاتها صور تنقلك عبر مراحل زمنية مختلفة وتعيد ذاكرتك إلى سنوات خلت كانت فيها الكلمة سيدة واللحن خالدا والصوت دافئا، يزرع كل أنواع المحبة والجمال ، وبينما اقترب من مقتنيات السيدة من ألبستها في الحفلات فكانت فساتينها أنيقة كأناقة صوتها وأحذيتها بمختلف الألوان وتفاجأت أن الفاستين والأحذية التي أشاهدها ليست بذاك الحجم الذي كنت أرى به السيدة ، فعدت ثانية لمكان الاستقبال سائلا هل فعلا هذه فساتينها وأحذيتها ومقتنياتها فابتسم عامل الاستقبال ،وأخبرته أنني لم أتصور أن هذه فساتينها لأنها بدت لي أصغر من حجمها ، وواصلت السير في أجنحة المتحف لأقترب من جواز سفرها وقلمها الصغير وقفازاها بألوانها السوداء والبيضاء ومناديلها التي كانت تحملها في لحظات الغناء ونظارتها بمختلف الأشكال والألوان، لأمر ثانية إلى جناح أخر خصص لشهادات كبار الزعماء من سوريا والأردن وتونس وبعض رسائل بعض الزعماء كأنور السادات وجمال عبد الناصر والحبيب بورقيبة وملك الأردن وبعض ملوك دول الخليج وكانت الدروع من مختلف أنحاء العالم ولكن مفاجأتي أن رأيت درعا مهدى إلي السيدة أم كلثوم وهو عبارة عن صحت منقوش فيه مدينة غرداية “بني ميزاب” وكان مهدى إليها من غرداية ، لأمر إلى قاعة صغيرة مجهزة بشاشة كبيرة ومصممة كقاعة سينما تحتوي على كراسي للزائرين الذين يحبذون الاستماع لأغاني السيدة وفعلا اتخذت مقعدا واتكأت مستسلما إلى شبه غفوة وسافرت مع إحدى أغانيها ولم أشعر بالوقت وكاد موعد التسجيل يفوتني لولا اتصال هاتفي من الإعلامي ليخبرني أنه في الطريق وسيصل في حدود النصف ساعة ، تهيأت للخروج مشبعا بالمكان وبسيدة أعطت للغناء العربي الكثير وبخطوات منتشية باتجاه النادي الإعلامي لتسجيل حصة في القناة الفضائية المصرية أيام في مصر …/….