الأديبة جنات بومنجل لمجلة هوامش الثقافية
المسافات الطويلة لم تعد عائقا كبير في ظل مسار التحول التكنولوجي في هذا العالم الجميل هذا العالم الممتلئ بالحب وبحكاياته الجميلة، ولعلنا اليوم أمام اسم من الأسماء الأدبية التي طالما غنت بفرح لهذا الوطن تأتي جنات بومنجل وهي تحمل الكثير من الشدو والغناء ففي مجموعتها الشعرية الأولى الموسومة ب كأنك روحي والتي غنت فيها للحب والجمال هاهي تطل علينا هذه المرة بفجائع الشمس لتقول لنا من جديد الكثير الكثير من حكايا الحب للوطن وللجمال إليكموها في هذا الحوار الشيق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حاورها عزوز عقيل
* قبل البدء كيف تعرف جنات بومنجل نفسها للقارئ الجزائري؟
زمرة حب في زمن الجدب، روح تكتب لتعيش أطول فرح ممكن، تنفض غبار التعب عنها بمقاربة الورق والكلمات وذلك كل ما تملكه،، القاريء الجزائري يعرفني منذ كنت أنثر حكايا القلب والروح على صفحات الجرائد قبل سنوات من الآن، مر زمن طويل وابتعدت عن تلك الفضاءات ولكن القلب لايزال هناك مرتبط بالفضاءات الجميلة التي لم تبرحني يوما ، ولمن لا يعرفني فأنا عاشقة للقصة القصيرة وللكتب وعبقها ولرفوف المكتبات ولكل شيء له علاقة بهذا الكائن المسمى كتابة، تركت الوطن منذ سنوات ولكن حبل وده السُّري لا يزال يغذيني بالفرح والمحبة والجمال.
*بين القصة والشعر مسافة كبيرة للبوح كيف استطاعت جنات أن تجمع هذين الجميلين معا ؟
أنا في الأصل قاصة، أعشق القصة وعوالمها، لكن الشعر ضيف خفيف الروح يعبر مرافئ القلب مرة على مرة ، ليس مقيما بالعادة ولكنه يجيء في غير مواعيده أحيانا ودون استئذان، يفرض ذاته وقوالبه وهمسه الخاطف وفقا للحالة والمزاج ولحظة الكتابة، الشعر حالة جميلة تختلف عن مخاض القصة ، إنه يمر هكذا كلمح الخفق بدهشته وسحره.
*انتظرك القارئ الجزائري والعربي عموما قاصة فإذا بك توقعين الصدمة به كشاعرة في إصدراها الأول ما سبب هذا التحول ؟
ليس تحولا بقدر ما كان محاولة لجس نبض القاريء ونشر العمل الجاهز أولا ، حين نشرت “كأنك روحي” عن دار الفارابي ببيروت ، كان المخطوط الشعري جاهزا للطباعة ، بينما الأعمال القصصة التي نشرت لاحقا لم تكن جاهزة للطباعة فدفعت به، الكثيرون أحبوني في تلك النصوص الشعرية والبعض لا يزال يراني قاصة ويفضل أن يقرأني في القصة .
*في زمن يتسارع فيه الكثير إلى الرواية ألا ترين أنك تأخرت كثيرا عن الركب ؟
تحدثت كثيرا عن هذا الاعتقاد الخاطيء بأن كاتب القصة القصيرة ينظر إليه دوما على انه كاتب لم ينضج بعد ليكتب الرواية وهذا غير صحيح ، أعظم كتاب القصة القصيرة في العالم العربي كانت لهم القدرة على فعل ذلك ولكنهم يجدون أنفسهم أكثر في هذا النوع الذي أعتقد ان التكثيف الذي تحاجه القصة وتقنياتها أصعب من الرواية ، قد يأتي يوم أكتب فيه نصا طويلا وقد لا يأتي وأكتفي بالقصة القصيرة ولست مستعجلة لفعل ذلك، لمجرد أن أساير موضة أدبية في سوق الكتاب وأنا لست جاهزة لها بعد.
هل فعلا نحن في زمن الرواية ؟
أعتقد ذلك، هناك العديد من دور النشر التي تخصصت في نشر الشعر توقفت عن العمل في السنوات الأخيرة لأن سوق الكتاب أصبح يروج أكثر للنص الروائي وتحول الكثير من كتاب الشعر والقصة إلى عوالم الرواية ، ربما لان الرواية مساحة أكبر للكتابة وربما مسايرة لرغبة القاريء ، ولست أدري إن كان ذلك سيستمر طويلا أو أن العالم الأدبي سيشهد غلبة غرض ادبي غير الرواية في السنوات المقبلة ، لطالما كان الشعر لسان العرب وديوانهم ، غير أن الرواية في السنوات الأخيرة بفضل الجوائز الادبية الشهيرة التي خصصت لهذا الشأن وغيرها احتلت الصدارة ووجدت من يقبل عليها بنهم كبير.
*الغربة معاناة والكتابة أيضا لماذا هذا العناء ووجع الرأس ؟
الغربة اختيار أما الكتابة فلا ، قدر يأتي ويقيم في وجداننا وأعصابنا وكل قطرة دم فينا ،، صحيح ان الكتابة عناء و تعب وقلق دائم ولكنها هبة من الله لا تمنح للجميع .
*ماذا أعطاك الإبداع وماذا أخذ منك ؟
أعطاني بهجة وفهما أعمق للاخر ومحبة وتواصلا مع القاريء، منحتني عوالم كتابة وقراءة مدهشة لم أكن لاجدها إلا بين ضفتي كتاب ، أعطتني رؤى مختلفة ومساحة للأسئلة، منحتني الكثير وأخذت مني بعض الراحة التي لا استردها الا بعد ولادة النص، الكتابة أنانية في بعض الاحيان لا تقبل شريكا وفي تلك اللحظات يصبح الكاتب في مزاج صعب، الا ان لحظة ميلاد النص من أجمل اللحظات التي يعيشها الكاتب.
*لك تجربة أدبية في الجزائر ولك مثلها في الإمارات كيف ترين الفرق بين التجربة المغاربية والتجربة في الخليج العربي ؟
الجزائر شهدت أولى بداياتي، الوهج الأول المختلف، الكتابة التي ولدت على أرصفة التيه والتعب ، أصدقاء الحرف وشركاء الوجع، التشرد على أرصفة البوح، الملتقيات الادبية والنشر في الصحف الاسبوعية واليومية وفي الاذاعة وانتظار ذلك، بريد القراء وهمسات المتابعين، أمور لها نكهتها الخاصة والرائعة ، أما عن التجربة هنا في الخليج أراها أكثر نضجا ووعيا ، لتعدد منابر البوح والنشر، اختلفت الفضاءات اليوم ، شبكات التواصل والمنتديات والمجلات العربية ومعارض الكتب الدولية، أفاق كثيرة فتحت لي في دولة الامارات بتنوعها واختلاف الثقافات الموجودة على أرضها وسعيهاللتحول إلى مركز للاشعاع الثقافي والفكري في الوطن العربي بفضل الجهود التي تبذل في اثراء الحراك الثقافي هنا، الاحتكاك بالتجارب العربية من خلال عملي الاعلامي ، أثرى التجربة كثيرا ، ثم اختلاف القراءات ايضا ، يعزي ذلك كثيرا ، فتجد أنك خرجت من محليتك وذاتيك ، إلى فضاءات أكثر رحابة .
*أشرفت على العديد من المواقع الأدبية المهمة إلى أي حد أفدتك هذه التجربة؟
لسنوات طويلة أشرفت على موقع شظايا أدبية ، هذه التجربة الجميلة منحتني الكثير من الخبرة والثقة بالنفس، لقد عرفتني إلى أسماء كنت أقرؤها من بعيد ثم الحوارات التي كنت أجريها مع أسماء أدبية مرموقة ، منحتني الكثير من المعرفة والتواصل مع الآخرين ، ذلك كله لا يغني عن القراءة التي أعطتني الكثير فعلا.
*هل هناك فرق بين الإعلامالورقي والإعلام الالكتروني وأنت صاحبة التجربتين ؟
تجربتان مهمتان، ولكل تجربة ميزاتها، الإعلام الورقي حقق ولا يزال يحقق مكانته المهمة ، ثم إن الكثيرين يراهون على بقائه رغم العوالم الافتراضية التي خلقتها الثورة التكنولوجية الحديثة ووسائل الاتصال المتطورة ، للإعلام الورقي نكهته ومريديه، واعتقد ان الكثير من كتابنا يحتفظون بارشيف ورقي لنصوصهم وحواراتهم لأنها اقدر على الحفظ والأرشفة وأكثر مصداقية، رغم أن الاعلانم الالكتروني حقق قفزة كبيرة في السرعة والانتشار الا أن له عيوبه ايضا في ضياع حقوق الكثير من الكتاب متمثلة في سرقة النصوص و صعبوة اثبات ملكيتها .
*أخير تطلين علينا بفجائع الشمس لماذا تأخرت هذه المجموعة كثيرا ؟
تأخرت كثيرا لأني لفترة ما ابتعدت عن كتابة القصة وذهبت الى الشعر، ثم ان عملي الاعلامي اخذ مني وقتا طويلا، الوظيفة تستحوذ على وقت واهتمام الكاتب ويصبح الوقت المخصص للكتابة او القراءة قصيرا مقارنة مع الوقت الذي كان يمنح لها في سن مبكرة ، المراة الكاتبة والعاملة والأم ، تحاول أن توفق بين امور كثيرة والوقت ظالم دوما.
*بماذا تعدين القارئ الجزائري والعربي عموما ؟
اتمنى ان تجد “فجائع الشمس” القراءة التي تستحقها ، وأعد القاريء انني لن اخذ وقتا طويلا مثلما اخذته فجائع الشمس في الظهور الى النور ، وان انشر المخطوطات المتوفرة لدي في اقرب وقت ممكن واظل وفية للوطن تاريخه وتراثه وهيوته
*كلمة للجزائر.
الجزائر أكبر من الكلمات، هي حكاية عشق وانتماء، هي أنا قبل البدء وبعده ، لازال الوطن مزروعا في دمي وفي كل شيء يخصني رغم المسافات والحدود والبعد. وأنا مدينة لهذا الوطن العظيم بكل نجاح أو تميز.
*قولي ما تشائين .
الوطن الذي انجب مالك حداد ومحمد ديب وزهور لونيسي واحلام مستغانمي وجميلة زنير وواسيني الاعرج وغيرهم كثيرون ـ قادر على انجاب غيرهم لو منحوهم مساحات الابادع والاهتمام ، شكرا لهوامش ، لكل التجارب الابداعية التي تستحق الدعم ، اتمنى ان يجد المبدع الجزائري فرصة للكتابة والنشر داخل الوطن وخارجه، لدينا طاقات ابداعية هائلة ولكنها تعاني التهميش والاقصاء ويبخسون حقها في الاهتمام والظهور، على مسؤولي الثقافة في الجزائر، ان يعوا قيمة الارث الذي يحملونه ، وأهمية الوطن الذي يشرفون على مؤسساته .كما تقع المسؤولية أيضا على الكثير من كتابنا الذين فضلوا العزلة وآثروا الكسل ع العمل والكتابة و النشر والظهور.