الشاعرة نجوى عبد الله في حديث لمجلة هوامش
مغتربة عراقية تصوغُ معاناتها شعرا
من الصعب أن تقدم شاعرة بحجم نجوى عبد الله لكن للحقيقة أقول أنها اسم أدبي مميز على الساحة العربية والعالمية اسم ينبض بالشوق والحنين تغني دوما للحب وللوطن قصائدها تحمل الكثير من أحاديث الشجن والفرح إضافة لهذا هي تساهم في كثير من النشاطات الثقافية المختلفة وتكتب للأطفال أيضا دون أن أطيل إليكموها في هذه الدردشة الجميلة
*كيف تقدم الشاعرة نجوى عبد الله نفسها للقارئ الجزائري ومن خلاله للقارئ العربي ؟
اولا اشكركم على هذه الاستضافة في مجلتكم الرائعة هوامش ثقافية, كما يسعدني ان اتواصل مع القاريء الجزائري الشقيق واقدم له نفسي متواضعة عن ما قدمته من انجاز ادبي في مجال كتابة الشعر الحديث وكتابة ادب الطفل والصحافة كمحاورة فنية وثقافية مقيمة منذ خمس سنوات في الولايات المتحدة الامريكية منذ مغادرتي العراق جسديا عام 2007 ,لأقيم ثلاث سنوات في دمشق وبعدها الى مدينة شيكاغو مدينة التحدي والثقافة .
*الشعر رسالة سامية مقدسة كيف تتعامل نجوى مع هذه الرسالة ؟
الشعر الحديث ومنه قصيدة الومضة أضاف الى حياتي الكثير منها أنه كان النافذة الدافئة التي أعبر من خلالها عن مشاعري وعواطفي وعن الضمير الذي يعاتبني والمجيب عن تساؤلاتي الكونية وهاجسا ناعما لافكاري الحياتية كانسانة ومغتربة ..من خلال الشعر أفصحت عن الماضي بلسان الحاضر والشك والخوف من المستقبل ومن خلال المحاولة والجهد للتقريب بين المثال والواقع أضفنا للحب رونقا وأفعمناه عاطفة محسوسة تجسدت شعرا لم نعبث به ونستهلكه بالإكثار كماكنة كلمات كما يفعل البعض من الادباء بل منحناه مكانة خاصة بحيث يأتي بنفسه ليطلب منا أن نكتب ونعبرعن مشاعرنا وفي النهاية يكون للألم مذاق آخر عندما يكون بين يدي القراء.
*الشعر معاناة والغربة أيضا كيف استطاعت نجوى التغلب على هذين المشكلتين ؟
نعم للشعر معاناة صعبة خاصة للكاتب في البحث عن المؤثر من المعاني والصور والكلمات والومضات والرموز وللغربة وجع ثان في البحث عن الأمان والاستقرار مع توفير مستلزمات الحياة الضرورية بالإضافة الى المشاعر الاغترابية والخوف من المجهول التي تنتاب المغترب .. الشعر خدمني كثيرا في التعبير والإفصاح عن تلك المشاعر الانسانية التي أشعر بها فكان نافدة لا تقبل سوى الصدق والنبل والحب والجمال أطل من خلالها الى العالم لأقول له إني مازلت موجودة وأن كل ما نراه من معاناة وألم وحب وخيبات ما هي إلا مشاهد درامية أختزلها شعرا عذبا.. كان الشعر رفيقي في الغربة وصوت القلب الثاني أصغي إليه جيدا وهو يشير الى المحسوسات والأماكن والرومانسية في الزمان والمكان بحيث كل ما كان حولي أو مر بي كان ينطق ألما وعاطفة فدونت الكثير من الأماكن والأوقات بل حتى الأسماء شعرا ..كتبت الكثير من القصائد عن كل ما يدور في ذهني من تساؤلات المكان الجديد ومناجاة الماضي وذكرى الام والاب ودونت يومياتي الدمشقية كتبت عن المصاطب ولقاءات الاحبة والاصدقاء الفنانين والادباء في المقاهي السورية والمواقف الانسانية .. أستطيع بفخر القول عن نفسي باني (مغتربة عراقية تكتب شعرا من يومياتها كلاجئة ) واعتقد أنها جديدة ..لذا علاقة الكاتب أو الشاعر بالغربة علاقة ليست سهلة أبدا ..فهناك من أبدع في اغترابه لشدة حنينه لوطنه ولأهله أو لأن المكان كان ملهما وحافزا شعريا له كعلاقتي مع أرض دمشق فكل ما بها ينطق شعرا بعكس أمريكا فهي جامدة لذا تأخرت كثيرا في الكتابة الشعرية منذ وصولي أمريكا وبالذات شيكاغو الباردة رغم أني كتبت قصائد (أحبك من امريكا ) وتحدثت مع شيكاغو المكان الجديد كثيرا في قصائدي وأفصحت لها عن معاناتي الخاصة واغترابي الامريكي لكن الانقطاع الشعري كان واضحا مع الأسف بسبب الضغط وطبيعة الحياة في أمريكا, باعتقادي لايمكن ان نكتب شعرا صادقا بدون الاحساس بالمشهد الحياتي الدرامي فكيف إن كان جامدا بلا روح .
*تكتبين للكبار وتكتبين للأطفال أيضا أيهما أصعب وأين تجدين المتعة ؟
إن الاعتقاد السائد بأن الكتابة للأطفل صعبة هو مجرد وهم بالنسبة لي وذلك لأنني أعرف سايكلوجية الطفل وماهي أجواء مخيلته وما تتميز به مرحلة الطفولة من البراءة والعفوية والصدق والصراحة وهي صفات تكمن بداخلي ولم أتخلَّ عنها أبدا، كما أن الهدف الكامن وراء الكتابة لتحقيق أسلوب تربوي قائم على المفاهيم الانسانية المتحضرة التي نص عليها الدين الاسلام الحنيف والتي رُكنت جانبا بسبب الظروف السيئة التي مرت بها الأمة العربية لتطفو الصفات القبلية غير المتحضرة في تنشئة الجيل الجديد، لذلك أجد لذة في كتابة قصص الأطفال وكانت سعادتي لا توصف عندما وصلني خبر نشر مجموعة (حكايات ماما نونو) عن وزارة الثقافة العراقية. أما الشعر فهو عالم خاص آخر يختلف عن عالمنا له أمكنته وزماناته والأواصر التي تربط مكوناته ليست لها قوانيننا الفيزيائية، فحتى قصيدة الومضة الموجزة لها تركيبتها الخاصة التي تحتاج الى بناء مميز بهيكل غير مرئي :
عيناي صغيرتان
لكنهما لا يسعانِ العالم
كعيني أمي الصغيرتين..
لذا فالشعر صعب لكن عندما تنتهي من كتابة النص بحيث تكون راضٍ عنها فإن سعادة غامرة ونشوة لا مثيل لها تنتابك.
*التكنولوجيا بقدر ما هي مهمة بقدر ما أصبحت تؤثر كثيرا على المقروئية بماذا تنصحين الأدباء للقضاء على هذه الإشكالية؟
مما لا شك فيه أن التكنولوجيا خدمت الأديب في الشهرة والاتساع وإيصال صوته الى الكل ومن السهولة مخاطبة أية جهة إعلامية أو ثقافية ومعرفة ما يجري من نشاطات وفعاليات لكنه أثر سلبا على قراءة المطبوعات واصبح الكثير من الناس يطالعون في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية الغنية بالاخبار والمنوعات ويبتعدون عن قراءة الكتب وهنا يفتقد أدباؤنا إلى المتخصصين في فن الدعاية والإعلان كي يجذب القراء للمطالعة إضافة إلى عدم اعتماد الأدباء على نشر الكتاب بطريقة إلكترونية لكي يتسنى مطالعتها عبر الكومبيوتر أو الآي باد كما هو الحال في أمريكاحيث أن الامريكان مازالوا يستخدمون الكتب المطبوعة في المطالعة او الآي باد في قراءة الروايات المخزونة ويقرأون في المواصلات أو المتنزهات .. إن الإشكالية الحقيقية تكمن في ترك العرب للقراءة المستمرة والسبب تدخل الحكومات في عملية نشر الكتب من جهة وأسعار طبع وبيع الكتاب من جهة أخرى. كما أن مؤسساتنا الثقافية لا تملك نهجا علميا عادلا في التعامل مع الادباء. فبالنسبة لي أنتظر أية جهة لتقوم بطبع كتبي ومنها الأجزاء الأخرى لحكايات ماما نونو إضافة إلى مجموعتي الشعرية (لعاب الورد) التي صدرت باللغة الانكليزية لكنها لم تطبع باللغة العربية، ومجموعتي الشعرية الثانية الت لم تر النور (أحبك من أمريكا)
*ماذا قدمت للإبداع وماذا قدم لك ؟
قدمت لعاب الورد وقصائد أحبك من أمريكا وحكايات ماما نونو .. وقدمت نفسي بأني لم أكن امرأة عادية أبدا وأن حياتي عبارة عن قصة امرأة مستقلة بذاتها رغم وحدتها لكنها تخاطب الكل من كبار وصغار ومشاهير فلي أكثر من حوار مع نجوم الفن العربي والعراقي منشورة في المجلات العراقية والعربية.. شاركت في محافل أدبية ومهرجانات شعرية في أمريكا باللغة العربية ونشر لي العديد من القصائد واسمي في انطولوجيات شعرية عربية وعراقية، بالاضافة الى التصوير الفوتغرافي ..وأخيرا الابداع لم أصله بعد فلست انا من يقيمه .. ولكن أكتفي بقول ومضتي الشعرية :
حقيبتي
غريبة عن عالم الحقائب
عربة أجرها بأكتافِ صعلوكة
حقيبتي فارغة من العد
بئر كتب
عشّ نقود
مساحيقُ وطن..
*إلى أين تريدين الوصول ؟
الى الحقيقة ..الى الانسان النبيل الى الحب الكوني :
سأهربُ بأشيائي
إلى أعلى الجبل
ربما تعشقني غيمة..
*كيف تعامل معك النقد وكيف تنظرين إليه ؟
تعامل معي النقاد العراقيون بشكل جيد وبالأخص الناقد الدكتور محمد العبيدي والناقد وجدان عبدالعزيز كما أنني ممتنة كثيرا للدكتورة لطيفة حليم التي تناولت قصائدي باهتمام بالغ حتى أنها قامت بتدريسها لطلبة جامعة الملك محمد السادس وتعامل الصفحات الثقافية العربية معي أيضا أعتبره نقدا فهم ينشرون أخبارنا كأدباء مغتربين لكوني إحدى أعضاء ملتقى الروح الثقافي في شيكاغو.
*كلمة للقارئ الجزائري ؟
اتمنى بأني لم أثقل عليه بهذا الحديث الذي جمعنا معا..وأتمنى له وللجزائر الجميلة التي أتمنى أن أحظى بزيارتها يوما ما الأمان والسعادة والسلام ..ففي الجزائر الخيرة من أصدقائي الادباء والفنانين الذين أعتز بصداقتهم وأوجه لهم التحية والتقدير وأشكر الكاتب القدير عزوز عقيل على هذه الاستضافة الرائعة وأمنياتي لمجلة هوامش الثقافية المزيد من التألق والإبداع.
أحبك من أمريكا
لا أستطيعُ
الهربَ منكَ
رُغمَ أني مسافرة..
..
سآخذُ دراجتي لنراقصَ المطرَ
ربما يذوبُ ذلكَ العشقُ
ربما أنساكَ
وأعودُ مسافرةً
لكن هل ترغب
بقطفِ زهورِ المطرِ معي..
..
أمطارُنا كثيرةً
واحدةٌ من أمريكا
تكفي
لتكونَ لي
أيها البعيد..
..
حتى الشجرةُ العاليةُ
فيها حب
لكن أن تبتعدَ
ربما لن يهطلَ المطرُ..