أخي حسن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عبد الحميد شكيل/ عنابة
1 أخي حسن: لقد غادرتنا سريعا، لم تمنحنا مزية اللقاء، وفضل الحديث، لنقول للريح: لماذا عطلت الحوار..؟ ولماذا أطفأت القناديل..؟ ولماذا غيرت المواعيد، وخربت مشاتل الزعتر.. ؟ ولماذا أطلقت رصاصك الحاقد على عصافير الزبد،وهي تنشد مزاميرها لفراغات الحياة..؟
2 أخي حسن:
كيف سنلملم شتات النص..؟
وكيف نشرح للغة معنى الغياب..؟
وكيف نتوسل القصيدة، وهي تبتعد في سواد الفيض..؟
وكيف نتواصل لنرمم أرواحنا التي خربها الرعاع الجديد..؟
وكيف نطل على سهل أفراحنا المترعة بالقهر، والوجع، والخوف، وقسوة الذين كنا نحبهم، لكنهم صوبوا حرابهم القاتلة، إلى حواصلنا الطرية، فاندلق الدم، على حواف الزرقة، وصاحت طيور المنِّ على شجر الروح..؟
3 أخي حسن:
الخبر كان قاسيا، ومزلزلا، وفاجعا.. كيف تسفح زهرة التوليب دمها على شاطىء الخضرة..؟
وكيف يصدح طائر الرعد القاسي، في برج الكتابة، وملاذات النص الشاخب باحمرار دمك الصاهل ، في بساتين الروح المتعبة..؟ وكيف نزاوج بين الدم، وبين الماء، متدفقا ، أجاجا في سموات اليقين، وبهجة الفرح المشظى..؟
4 أخي حسن:
مرت الريح، ومالت أشجار السنديان، وغنى طائر العقعق أحزانه الموجعة.. وانفرط العِقد، وهجّت طيور السمان في مشاتي المعنى.. كيف للقصيدة أن تنهض من سباتها العميق..؟ وكيف لها أن تعلو في سموات البهاء ،المعبق بعويل الأنحاء، التي كنا نلوذ بها كلما اكفهرت اللغة، وأقبل البرابرة الجدد.. مرتدين أقنعة البؤس، وسترات المواربة، ومعاطف الموت الأكيد..؟
5 أخي حسن:
لقد انحسر الماء، الذي كنا نغسل به رماد القصيدة، وهي تتأبىّ،وتحرن في ساعات العسرة، وعز الطلب.. وتتركنا حيارىفي لظى الهذيان، و عماء الظن، وشواظ الاحتباس اللعين.. كيف نروادها في الهبوب الأخير..؟وكيف نتوسلها- الكريهة- وهي تقتنص أزهار الروح، و بتلات الوجدان، وأيائل الفزع الذي في انقداح الفجيعة..؟ لقد أوجعتنا المراحل، وأزرت بنا جهات البلاد، ولم نعد نقوى على مفاجآت الزائر المر..وهو يرتب مواعيده، ويوجه سهامه للفراخ الزغب، وهي تفلي ريش صغارها في هذه الأزمنة الموحشة..
6 أخي حسن:
لا نعتب على شح الماء، و لا نغضب من انقطاع المزن، ولا نبكي في صباحات الأسى، وعنف الورم.. و لا نشيح عن سوادالليل، ولا نقذف طيور الماء بوابل بصاقنا..ولا نطعن الزرقة وهي تتمادى في انحرافاتها الساحقة..لكن جراحات الروح، وعنادل المعنى..ستنشد مراثيها الكثار، وستعزف أحزانها على أرغول الهول، وهو يترغب قطعان دمنا الساخن، ويلهث خلف أرانب نصنا المغوس بريق الروح، و شفيف اللغة..
7 أخي حسن:
مرت الريح.. وهاجت طيور العشب.. وانسكب الدم على اسفلت المجرى.. وهجرتني نساء النص، وملت خواطري نسائم الطرفاء.. وانحازت لمائي .. معاني الغلط.. فكيف لي- يا صديقي- أن ازرع البنفسج في أرض الغياب الشططْ..؟
8 أخي حسن:
لا وقت للزرع.. ولا معنى للحصاد.. لقد أصاب السهم الكبد.. وتناثرت طيور الله .. على فلوات الصهد.. فخذ معناك الأخير.. وقل: سلامًا أخيرًا.. نصوص الكمدْ..
9 أخي حسن: كلما أوجعتني القصيدة، واستبد بي قلقي.. قلت في كمد: رحماك يا خالق الفلق.. و يا منزل الماء.. من مزن الروح، والعبق.. !!
10 أخي حسن:
لا عليك.. سنلتقي في ماء الكتابة، او في مطلع النهر الكبير.. ليس ثمة – يا صديقي- ما يحبط الروح.. وهي تجتاز صراط اليقين..!!
عنابة: 19 جويلية