غياب مؤقت قصة قصيرة
بقلم عمران الغانم
المسير بعد انتصاف النهار وسط الأحراج الكثيفة والأشجار العالية ورطوبة النهر الذي انخفض منسوب المياه فيه . شاق جدا صرت أتنفس بصعوبة بالغة، الرائحة خانقة هنا قفصي الصدري كحلم ثقيل يضغط على رئتيّ المنهكتين آه متى ينتهي هذا الطريق ؟ أتساءل مع نفسي الحائرة وأنا أرقب ظلال الأشجار .. متى يا إلهي أخرج من بوابات الموت تزدحم الأفكار في رأسي . سمعت صوتاً من بعيد : ..توقف لا تتحرك إنهم في انتظارك عند البوابة الخلفية للمتنزه. التفت يميناً وشمالاً أبحث عن مصدر الصوت . الظلام بدأ يزحف إلى الأماكن الواطئة، العرق ينزف من جسدي المنهك مع شعوري بالضعف والنسيان لم أعد أتذكر وصايا أبي حينما أكون في المواقف التي تحتاج إلى صلابة ورجاحة في العقل . لا أحمل معي سوى أنفاسي المنهكة وجسدي الذي بدأ هو الآخر يتأقلم مع حرارة المكان الذي يغلفني كأنني أقترب من حضن أمي . لحظة الخوف تتساقط أوراق الأشجار كأنها تنهزم مثلي يعود الصوت مرة أخرى بنبرة ساخطة .. لا تتحرك لم أعتد التوقف بلا إرادة مني الحلم سيتحقق.. من توكل على الله فهو حسبه . كلمات أمي الأخيرة لي لكنها لا تود أن أكون بقربها . اراها الآن ، أمي أمي ، لا تتركيني.. تغادرني والابتسامة تعلو وجهها رغم الحزن .. كن مع أولادك سيفرحون حين تأوي إليهم .. آه لابد أني نمت قليلاً رفعت رأسي المثقل بالوحدة والحزن والحيرة ما الذي جرى لي؟ أسئلة لا أعرف الإجابة عنها .. أين أنا ومن أين أتيت . الأفكار السيئة لاتنهزم بسرعة . السماء تمتلئ بالغيوم الركامية وثمة رائحة للمطر . للمرة الأولى أمي لاتود عناقي .. السماء تمنحني بعضا مما لديها قطرات المطر تبلل شفتيّ اليابستين .تذكرت قهوة حبيبتي زوجتي وهي ترسم ابتسامتها حين تجلس بجانبي وأنا أكتب عمودي الصحفي .فجأة توقف المطر كلياً عن النزول في المحيط وأصبح كأنه وشاح يلتف حول عنقي .. أحسست أن شيئاً ما تغير على غير العادة .. ثمة ضوء ساطع يسقط على عيني ويد تسحب جفني وصوت يقول .. لقد أفاق نعم أفاق نظرت من حولي بعينين مشوشتين لا أحد في الغرفة سوى الطبيب وهو يسألني من وراء الكمامة والنظارات الواقية .. .. من أين انت .. من الفيوم